2020/07/29

الـــعدوّ الأخير





                              
-2-

أعطانا عربون الروح:

«فَإِنَّنَا (نحن) نَنْظُرُ الآنَ (كما) فِي مِرْآةٍ، (كما) فِي لُغْزٍ» (1كو13: 12). ولكن بالرجاء الروحي ننتظر أن نعاين ملكوت الله.. ونتوقعه بالصبر في يقين الإيمان. 
الآن نعرف بعض المعرفة، من جهة أسرار الروح، ومستقبلنا الأبدي، والمجد المُعَدّ لنا.
الآن نتذوق بالكاد عربون الفرح الأبدي، حين ينفعل القلب بالحُبّ الخالص نحو الربّ يسوع «الَّذِي أَحَبَّنا وَأَسْلَمَ نَفْسَهُ لأَجْلنا» (غل2: 20).
وحين يصير فينا الحنين نحو الوطن السماوي، ولو أنّه يأخُذ صورة الدموع، ونحن نسلك في وادى الآلام، يشدّنا التوقُّع والانتظار، ويدفعنا دافع الجهاد لنُكمِل سيرتنا ومشوار حياتنا، بحِفظ الإيمان وتكميل السعي.

ما ينتظرنا في السماء هو الربّ نفسه.. مكافأة الأبرار ونصيبهم هو الربّ بذاته.. فرح الصدّيقين هو كونهم مع الربّ كلّ حين.. شهوة القلب أن نعاين مجده ونشبع منه.
هذه كلّها ننال عربونها ونحن لا نزال نسعى ونتضرّع الليل والنهار، لعلّنا نَصِل إلى ميناء الخلاص.

 + فحين نتكلّم عن الفرح الأبدي، أعتقد أنّنا نفهم مجرّد الاسم فقط؛ أنّه فرح، ولكن هناك فرق شاسع رهيب بين ما هو ماديّ يخصّ العالم الحاضر، وما هو روحيّ يخصّ حياة الأبد. 
فقد اختبرنا الفرح المادي، في أوقات عديدة في حياتنا على الأرض، عندما نلنا شيئًا من خير هذا العالم، فحين ينجح الإنسان في دراسة أو عمل، أو عندما يربح في بيع أو شراء، أو حينما يحصل على مركز أو غِنَى، أو يفرح بعمل ينجح فيه، أو بزواج، أو ولادة بنين أو نجاحهم أو شفائهم.. إلى آخر هذه الأمور التي تُدخِل الفرح إلى قلب الإنسان.
 أقول لقد جرّبنا هذا وعِشناه وسعدنا به وطاب قلبنا. ولكن حين نقول "فرح سماوي" أو "فرح أبدي" أو "فرح الملكوت".. فهذا صنف آخر من الفرح لا يَمُتّ إلى الحياة الحاضرة بصِلة.. وهكذا إن تحدّثنا عن المجد والبهاء والنور السمائي.

جســد القيامــة:

ما نعلمه يقينًا أنّ هناك أجسام أرضيّة وأجسام سماويّة، ولكلّ واحد من الكائنات جسمه.. ونحن كما لبسنا صورة أبينا آدم، الذي من التراب، الذي هو أصل خِلقتنا الترابيّة، سنلبس صورة الذي من السماء، الذي نحن مخلوقون فيه بحسب خِلقتنا الجديدة. لذلك نعلَم أنّنا سنأخذ صورة المسيح القائم من الأموات. وهذا هو جسد القيامة في ملامحه وإمكانياته وطبيعته وخلوده.. سنكون مثله لأنّنا سنراه كما هو.. وسنُعرَف لديه كما عرفنا هو.
 الأمور المادّيّة، والأرض المادّيّة، والسماء المادّيّة تزول.. ويُقال عنها: «الأُمُورَ الأُولَى قَدْ مَضَتْ وَلاَ تكُونُ فِي مَا بَعْدُ» (رؤ21: 4). أمّا الأمور العديمة الفساد، وعديمة الزوال.. فهي فائقة عن كلّ وصف مادّي أو أرضي.

 فلا عَجَب إن كُنّا قد رأينا المسيح قائمًا من الأموات.. يدخُل إلى حضرة التلاميذ في عُلّيّة صهيون والأبواب مُغلقة، ثم يذهب عنهم كما رأوه والأبواب مغلقة. ولا عجَب إنْ رأينا المسيح القائم من الأموات صاعدًا إلى السموات إلى حيث جاء أولاً.. وهو يَطَأ كلّ ما في العالم، صائرًا فوق كلّ اسم وسلطان وقوّة وجبروت يُسَمَّى في هذا العالم.. صاعدًا غالبًا كلّ جاذبيّة الأرض، ومجد العالم الزائل، ومرتفعًا إلى أعلى السموات.. منفصلاً عن الخطاة، وغالبًا العالم ورئيسه وسلطانه.
 على هذه الهيئة سنصير، وسيُغَيِّر المسيح شكل جسد تواضُعنا (الترابي) لنصير على صورة جسد مجده (السمائي) بحسب عمل استطاعته أن يُخضِع لنفسه كلّ شيء. هذا هو الذي صار سابقًا لأجلنا، صاعدًا وجالسًا عن يمين الآب، وهذه هي الطبيعة الجديدة التي أنعمَ علينا بها، بموته وقيامته وصعوده.
«ثِيَابٍ بِيضٍ - قِيثَارَاتُ - تَرْنِيمَةً جَدِيدَةً» (رؤ3، 4، 5).
«يَقْتَادُهُمْ إِلَى يَنَابِيعِ مَاءٍ حَيَّةٍ، وَيَمْسَحُ اللهُ كُلَّ دَمْعَةٍ مِنْ عُيُونِهِمْ» (رؤ7: 17).
«الموضع الذي هرب منه الحزنُ والكآبةُ والتنهدُ ووجع القلب» (أوشية الراقدين).

 هذه الأمور الصادقة والمواعيد الأمينة، ليست هي أماني خياليّة، ولا نسيج عقل البشر، ولكنّها ما أعدّه الله للذين يحبّونه ويحفظون وصاياه.
 فإن كان جسد القيامة نتحصّل عليه بقيامة المسيح.. وهو جسد روحاني يُشبه جسد المسيح. فماذا تكون الثياب البيض؟ ليسَتْ لستْر الجسد كما الثياب المادّيّة للجسد الترابي، بل ليتسربَل الإنسان الروحي الجديد ببهاء مجد الله، ويصير كما في الرّوح لابسًا المسيح، كحُلّة نور فائق للعقل.
 لقد أشار الربّ على ملاك الكنيسة قائلاً: «أُشِيرُ عَلَيْكَ أَنْ تَشْتَرِيَ مِنِّي.. ثِيَابًا بِيضًا لِكَيْ تَلْبَسَ، فَلاَ يَظْهَرُ خِزْيُ عُرْيَتِكَ» (رؤ3: 18).
 كساني الربّ لباس الخلاص.. ثياب السماء ليست كثياب الأرض. لقد لبسنا حُلّة روحانيّة في المعمودية المقدسة، أشارت إليها الثياب البيض التي لبسناها بعد خروجنا من جرن المعموديّة المقدسة. 
قُلْ إنّها النقاوة والاستنارة والقداسة، والخليقة الجديدة المملوءة من الفرح وطهارة السيرة.
فإن حفظناها على الأرض كما هي مُقَدّسة استُعلِنَتْ في السماء.
لَمّا كُنّا في الجسد كان سِرّ الثياب البيض مَخفيًّا، وعندما نخلع الجسد سيُستَعلَن سِرّ اللباس السمائي، المغسول والمُبَيَّض في دم المسيح، بالصبغة المقدّسة والتوبة الدائمة.

(يُتَّبَع)


ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

اكتب تعليقك اذا كان لديك أى تسائل عن الموضوع وسنجيبك فور مشاهده تعليقك

إعلان1
إعلان2
إعلان3