2020/07/11

القديس كيرلس والصليب



بمناسبة عيد نياحته اليوم:

                       القدّيس كيرلّس والصليب

القدّيس كيرلس السكندري هو واحد من أعظم قدّيسي الكنيسة الجامعة، في كلّ عصورها.. وأحد أبرز آباء الكنيسة الأوائل، كمعلّم لاهوتي من الطراز الأوّل.. لذلك يلقّبه الأقباط بلقب "عمود الدين"، وهو الأوّل بين ستّة حملوا اسم كيرلس بين بطاركة الإسكندريّة..
في عيد نياحة هذا القدّيس العظيم، والحبيب إلى قلبي، يسعدني تقديم بعض مقتطفات من تأمّلاته عن الصليب.. ولكن قبل عرض هذه التأملات البديعة، أرى من المفيد أن نأخُذ فكرة سريعة عن حياته، وكتاباته.

* حياة القدّيس كيرلّس الكبير في سطور:

+ وُلِدَ حوالي عام 375م.
+ رُسِمَ كاهنًا لتعليم الشّعب بالإسكندريّة عام 404م.
+ صار بطريركًا، خلفًا لخاله البابا ثيؤفيلوس، في عام 412م.
+ قاد المجمع المسكوني الثالث بأفسس عام 431م، وفيه دَحَضَ البدعة النسطوريّة.
+ تنيّح عن حوالي 69 عامًا، في عام 444م.

* كتاباته:

+ القدّيس كيرلّس هو أحد أعظم رموز الفِكر المسيحي على مدى التاريخ، ويُعتَبَر هو الأكثر ثِقَلاً وإنتاجًا لاهوتيًّا بين كلّ آباء كنيسة الإسكندريّة.
+ كلّ كتاباته كانت باللغة اليونانيّة، وبعضها تمّ ترجمته أثناء حياته إلى السريانيّة واللاتينيّة.. وبعد نياحته ظهرت ترجمات أرمنّيّة وقبطيّة ثم عربيّة لبعض كتاباته.
+ كتاباته الباقية باليونانيّة تملأ حاليًا عشرة مجلّدات ضخمة من مجموعة ميني Migne اليونانية، (وتشمل المجلّدات من رقم 68 إلى رقم 77)، أي ما يُعادِل 150 كتابًا، كلّ منها 100 صفحة بالحجم المتوسِّط أو يزيد، وذلك بعد أن فُقِدَ الكثير من كتاباته..!
+ تتميّز كتابات القدّيس كيرلس بالعُمق وثراء الأفكار، مع الدِّقّة والوضوح في المناقشة.. كما أنّ شرحه للإيمان يمتاز بالتماسُك اللاهوتي من كلّ ناحية، إذ أنّ محوره الرئيسي هو اتّحادنا بشخص المسيح، من خلال تجسُّد الابن الكلمة الأزلي، وعن طريق هذا الاتحاد ننال البنوّة لله الآب، ونصير مسكنًا للروح القدس.
+ تشتمل كتاباته الباقية على:
1- كتب تفسير للعهدين القديم والجديد.. منها أسفار موسى الخمسة (كتاب السجود والعبادة بالروح والحقّ)، وأسفار الأنبياء الصغار، وإنجيل يوحنا، وأجزاء من إنجيل لوقا، وإنجيل متّى، ورسالة رومية، ورسالتي كورنثوس، والعبرانيين.
2- كتابات عقيديّة.. مثل الردّ على يوليانوس الجاحد، والكنز في الثالوث، وحوار حول الثالوث، وهي كُتُب ضخمة.. مع ثمانية كتب دفاعيّة ضدّ هرطقة نسطور.
3- عدد 29 رسالة فصحيّة، وعدد 22 عظة مُسجّلة له كتابةً، مع حوالي عدد 110 رسالة أرسلها في مناسبات متنوّعة، ولأشخاص عديدين، أو ردًّا على رسائلهم.. ومعظمها بخصوص شرح الإيمان.

+ أخيرًا، لنستمتع معًا ببعض تأمّلاته حول الصليب، وهي من كتابه في شرح إنجيل القدّيس يوحنا، الأصحاح 18 والأصحاح 19. وهذا الكتاب هو أضخم كتبه على الإطلاق، وقد كتبَه في بداية بطريركيّته، قبل ظهور البدعة النسطوريّة.

* تأمُّلات حول الصليب:

+ ما عاناه (المسيح) هو نفسُهُ، صارَ إلغاءً للعار الذي نستحقّه.. لأنّه أُهين من أجلنا، إذ قد حمَل خطايانا على نفسه.. صار مذلولاً بسببنا.. حرّرنا من الموت، ببذل جسده للموت... هو فِديةٌ كاملة عن كلّ البشر، وقد حمَل عارنا..
+ جُلِدَ المسيح ظُلمًا، لكي يُنقِذنا من التأديب الذي نستحقّه؛ لقد لُطِمَ وضُرِبَ، لكي يلطم الشيطانَ الذي لطمنا.. نؤمن أنّ كلّ آلام المسيح إنّما كانت من أجلنا ونيابةً عنّا، وآلامُه لها القوّة أن تُحرِّرنا وتُنقِذنا من كلّ الكوارث التي أصابتنا، بسبب تمرُّدنا على الله.. آلام المسيح لأجلنا كانت كافية ايضًا أن تحرّرنا جميعًا من كلّ خطيّة.
+ بركة التبرير بالمسيح امتدّت إلى الجميع بواسطة إنسان واحد، آدم الثاني... نحن صِرنا مرضى بعصيان آدم الأوّل ولعنة هذا العصيان، ولكنّنا اغتنَينا بطاعة آدم الثاني، وبركة طاعته.
+ يقتادون رئيس الحياة إلى الموت، وهذا حدث لأجلنا، لأنّه بقدرة الله وعنايته التي تعلو على الإدراك، فإنّ موت المسيح قَلَبَ الأمور بصورة غير متوقَّعَة. لأنّ آلامه قد أُعِدَّت كفخّ لاصطياد قوّة الموت، وموت الربّ صار مصدرَ تجديدِ الجنس البشريّ إلى عدم الفساد وجِدّة الحياة... رغم أنّه بريء، فقد احتمل حُكم الموت لأجلنا... اللعنة تخصّنا نحن وليس غيرنا... الذي لم يعرف خطيّة، لُعِنَ من أجلنا، لكي يُنقِذنا من اللعنة القديمة. لأنّ الله الذي هو فوق الكلّ، إذ مات لأجل الجميع، وبموته الجسدي افتدي كلّ جنس البشر... حُسِبَ بين الأموات، ليس من أجل نفسه، بل من أجلنا، لكي يكون لنا رئيسًا للحياة الأبديّة بإخضاعِهِ سُلطان الموت لنفسه... الذي بلا خطيّة قد احتمل الدينونة عن خطيّة الجميع.
+ ربّنا يسوع المسيح لا يخجل من حمل الصليب الذي نستحقّه نحن، ويحتمل هذه الإهانة بسبب محبّته لنا... إنّ المتّحدين بالمسيح هم أيضًا مصلوبون معه، فإنّهم إذ يَقبَلون الموت عن سيرتهم القديمة في الجسد، فإنّه يُعاد تشكيلهم إلى حياة جديدة حسب الإنجيل، فالرسول بولس يقول: "الذين هم للمسيح قد صلبوا الجسد، مع الأهواء والشهوات" (غل5: 24).
+ إنّ حجاب الهيكل انشقّ إلى اثنين، من فوق إلى أسفل، ليشير إلى أنّ الله يُعلِن بهذا، قدسَ الأقداس، ويجعل الطريق إلى هذا الجزء الداخلي جدًّا، مفتوحًا من ذلك الحين لأولئك الذين يؤمنون بالمسيح. لأنّ معرفة الأسرار الإلهيّة تصير الآن مكشوفة أمامنا... تصير رؤية الحقّ الجميلة مكشوفة وواضحة أمام أؤلئك الذين قد تقدّسوا في المسيح بواسطة الإيمان.
+ هيكل الله -كما لو كان- اتّبع العادة الشائعة عند اليهود، ومزّقَ حِجَابَهُ، كما لو كان ثيابًا، في اللحظة التي أسلَمَ فيها مخلّصنا الروح. فالهيكل أدان كُفرَ اليهود كإهانّة ضدّه (ضدّ الهيكل). وتتميم هذا كان عمل الله، لكي يبيّن لنا أنّ الهيكل نفسه ينوح على جريمة اليهود.
+ القميص الذي كان منسوجًا كلّه من فوق بغير خياطة.. إشارة إلى جسد المسيح المقدّس، لأنّه جاء إلى الوجود بدون أيّ علاقة أو اتصال بين رجل وامرأة، بل هو منسوج في شكله المناسب، بعمل الروح الفعَّال من فوق..!

بركة القدّيس العظيم كيرلس الكبير تكون معنا جميعًا، وتحفظ سلام الكنيسة ووحدانيّة القلب التي للمحبّة فيها. آمين.

(المرجع: شرح إنجيل القدّيس يوحنّا للقدّيس كيرلّس السكندري - إصدار المركز الأُرثوذكسي للدراسات الآبائيّة - الترجمة عن اليونانيّة والإنجليزيّة للدكتور نصحي عبد الشهيد وآخرين)


3 أبيب - 10 يوليو 2020م

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

اكتب تعليقك اذا كان لديك أى تسائل عن الموضوع وسنجيبك فور مشاهده تعليقك

إعلان1
إعلان2
إعلان3