كلمات روحيّة للحياة
كرامة الزواج المسيحي
- 3 -
من صلوات الإكليل
* فصل البولس:
«أَيُّهَا النِّسَاءُ اخْضَعْنَ لِرِجَالِكُنَّ كَمَا لِلرَّبِّ... لِكَيْ يَكُونَ لَكُمْ خَيْرٌ، وَتَكُونُوا طِوَالَ الأَعْمَارِ عَلَى الأَرْضِ» (أف5: 22الخ، 6: 1–3).
المثال الكامل الذي يُبنَى عليه سِرّ الاتحاد الزيجي، كما يبدو في هذا الفصل هو اتحاد المسيح بالكنيسة – فالمسيح هو رأس الكنيسة ومخلّصها..
هو أحبّها وأسلَمَ نفسَه لأجلها..
هو يقوتها ويربّيها..
هو طهّرها بغسل الماء بالكلمة..
هو أحبها أولاً ومات لأجلها، واقتناها بدمه الطاهر..
وفي المُقابل كنتيجة لعمله الإلهي الفائق خضعَتْ له بعبادة وشكر وطاعة وتقديس.. وإذ سكب عليها من حبّه، أحبّته من كلّ القلب ومن كلّ الفِكر كمستحق وعادل.
لأنّه ليس آخر أحبّها هكذا.. إذ أحبّها إلى المنتهى..
هذا هو الكمال في الإنسان المسيحي وهو نموذج المسيح والكنيسة..
المسيح هو الرأس والكنيسة هي جسده الطاهر.
«الرَّجُلَ هُوَ رَأْسُ الْمَرْأَةِ كَمَا أَنَّ الْمَسِيحَ أَيْضًا رَأْسُ الْكَنِيسَةِ، وَهُوَ مُخَلِّصُ الْجَسَدِ» (أف5: 23). اقتناها بدمه بغسل الماء بالكلمة، أي بَذَل ذاته عنها ليقتنيها.
فسلطانه على الكنيسة ليس تَسَلُّطًا، ولكنّ عملَ فدائه ودم صليبه يشهد أنّه مستحقٌ العبادة، وهي مقدّسة فيه وبه، ولا تشيخ ولا تفتُر.
فعندما يُقرَأ فصل البولس لتقديس العروسين، يجب أن يرتقي الإدراك إلى سرّ المسيح والكنيسة، ويجب أن يكون الإيمان على مستوى الوعي، ولينظر كلّ واحد إلى الأساس الذي يُبنَى عليه.
هذا الإدراك الروحي يَفرَح به الإنسان، وهو في بداية مشوار الحياة الزوجيّة. فإن كان الرجل كمثال المسيح، يصير رأس المرأة باستحقاق، إذ هو يتبع خطوات سيده في الحبّ اللانهائي، والعطاء السخي، وبذل الذات من أجل امرأته.
فإن صارت فيه ملامح المسيح بالحقيقة وعاش وسلك بالروح، فماذا يكون من الزوجة سوى الخضوع، على صورة الكنيسة عروس المسيح.
وهنا تنتفي كلّ السلبيات في الفهم، من الخضوع والقهر والمذلّة والهوان والتسلُّط من جهة الرجل والتجبُّر والقسوة.. كلّ هذه المفاهيم وما ينتج عنها من مصائب. حاصلة من عدم الفهم الروحي، وعدم الحياة بحسب الإنجيل.
* فصل الإنجيل:
«يَتْرُكُ الرَّجُلُ أَبَاهُ وَأُمَّهُ وَيَلْتَصِقُ بِامْرَأَتِهِ»
عن الاتحاد الإلهي من جهة المسيح والكنيسة قال الرب: «مَنْ تَرَكَ أَبًا أَوْ أُمًّا» (مت15: 29). فالشرط بالترك قائم بل هو أساس الاتحاد.
«مَنْ أَحَبَّ أَبًا أَوْ أُمًّا أَكْثَرَ مِنِّي فَلاَ يَسْتَحِقُّنِي» (مت10: 37)
«وَمَنْ لاَ يُبْغِضُ أَبَاهُ وَأُمَّهُ» (لو14: 26).
كلّ هذا معناه أنّ مَن التصَقَ بالربّ صار روحًا واحدًا.. أي تَخَلّى عن الكلّ لكي يلتصق بالمسيح، ويصير واحدًا معه وفيه ويقول: «لِيَ الْحَيَاةَ هِيَ الْمَسِيحُ» (في1: 21). هنا على هذا المثال يحدُث أن يترك الرجل أباه وأمه ويلتصق بامرأته كقول الرب. وهنا يجدر أن يُدرك الإنسان نوع وكَنَه هذا الاتحاد الزيجي أنّه على مثال الكمال.. «وَيَكُونُ (يصير) الاثْنَانِ جَسَدًا وَاحِدًا. إِذًا لَيْسَا بَعْدُ اثْنَيْنِ بَلْ جَسَدٌ وَاحِدٌ» (مت19: 5، 6).
وتقديس الزواج بهذه الكلمات الإلهيّة يعني:
+ أنّ الرجل وامرأته صارا واحدًا.. جسدًا ونفسًا.. ككيان جديد مخلوق بكلمة الإنجيل والصلاة وحلول روح الله.
+ ما كان الرجل يومًا.. واحدًا مع أبيه وأمه - لم ولن يحدث – فالعلاقة بالأب والأم بكلّ ما فيها من حُبّ وعُمق لا يوصف، ورباط اللحم والدم، تختلف تمامًا عن اتحاد الرجل بامرأته كشريعة الزواج المسيحي؛ الذي يَجعل منهما وِحدة واحدة وكيانًا واحد.
+ فحُبّ الأب والأم شيء.. وحُبّ الزوجة شيء آخر.. لا يتعارضان بل يختلفان في النوع، فإن أدرك الزوج هذا الأمر سَلَك بلا ارتباك.
لقد صارت الزوجة جسده الخاصّ.. أخذها من يدِ الرب واقترن بها باتحاد لا يوصف.
+ الحب الزيجي الذي يسكبه الروح من جهة الاتحاد والتحوُّل الذي يحدُث بالسرّ الإلهي هو حقيقيّ إلهيّ، لا يدركه سوى كلّ من يحيا بالروح.
السِّرّ الإلهي كباقي الأسرار.. العمل والتحول والتغيير جوهريّ لا يُدرَك بحواس الجسد.. فيبقى الشكل الخارجى لمادّة السرّ كما هو بينما يكون التغيير قد حدث جوهريًّا. كمِثل الصلاة في قُدّاس الإفخارستيا.. لتحويل الخبز والخمر إلى جسد الرب ودمه.
فإن أُخذ الإنجيل مأخذ الجدّ للحياة، وأخضَع الإنسان نفسَه للوصايا الإلهيّة كواجبة النفاذ ومستحقة لكلّ قبول، فإنّها تصير لكلّ واحد كنور يهدي الإنسان إلى الحياة الأفضل، ليس في يوم الإكليل فقط بل وحتّى آخر يوم في الحياة.
فوصيّة الإنجيل للرجل: «أَيُّهَا الرِّجَالُ، أَحِبُّوا نِسَاءَكُمْ كَمَا أَحَبَّ الْمَسِيحُ أَيْضًا الْكَنِيسَةَ وَأَسْلَمَ نَفْسَهُ لأَجْلِهَا» (أف5: 25).
تصير كمِرآة لقلب الرجل، يقيس نفسه عليها، وتكشِف له كلّ يومٍ تقصيرَه.
وهل بَلَغ مبلغ الحبّ الإلهي في حياته العملية؟
وهل بلغ مبلغ البذل لاقتناء زوجته؟
أمّا إذا غاب هذا الإنجيل عن الرجل، فإنّه يتوه في متاهات مدح الذات وتأليهها، حاسِبًا نفسه أنّه قد بلغ الكمال، وهو دائمًا صاحب الحقّ والمجني عليه. وفي تبريرات الذات تغيب الرؤيا الحقيقيّة، ويلتمس الإنسان لنفسه الأعذار، ولا يَرى في غَيرِهِ إلاّ العيوب.
وهكذا الوصية بالنسبة للمرأة: «أَيُّهَا النِّسَاءُ اخْضَعْنَ لِرِجَالِكُنَّ كَمَا لِلرَّبِّ» (أف5: 22). فإن أشرقَتْ هذه الوصية على ذِهن المرأة وقلبها، فإنّها في نور الوصية ترى ذاتها في تقصير شديد في عدم إكمال الوصية في خضوع الروح، وفي الوداعة، والاتضاع الذي هو الزينة الحقيقيّة التي هي قدّام الله كثيرة الثمن. فكم بالحري أمام الناس!
فإن غابت الوصية عن الذهن والقلب، فإنّ الذّات تَدفَع إلى الاعتداد والنفور من أيّ أعمال الاتضاع، وتطالِب بالمتعارَف عليه من أهل العالم، ويَنسَى الإنسان كيانه الروحيّ، ويسلك كمثل الجسدانيين.
إذن الإنجيل هو ضابط السلوك ومنير الطريق وضَمين النجاح، في حياة الرجل والمرأة على حدٍّ سواء.
* القراءات في عَقد الأملاك:
فصل البولس في عَقدِ الأملاك: «أَطْلُبُ إِلَيْكُمْ أَيُّهَا الإِخْوَةُ، بِاسْمِ رَبِّنَا يَسُوعَ الْمَسِيحِ، أَنْ تَقُولُوا جَمِيعُكُمْ قَوْلاً وَاحِدًا، وَلاَ يَكُونَ بَيْنَكُمُ انْشِقَاقَاتٌ» (1كو1: 10).
هذه الوصية الرسوليّة تستودعها الكنيسة مسامع العروسين، لكي يتمسّكا بها في اتفاق الرأي ووحدانيّة الروح. لأنّ مَن لهم إيمان واحد ومعمودية واحدة ورب واحد والتصقوا به، فيجب أن يكون لهم رأي واحد وقول واحد.
أمّا فصل الإنجيل في عَقد الأملاك (يو1: 1–17) فهو بدء إنجيل القديس يوحنا: «فِي الْبَدْءِ كَانَ الْكَلِمَةُ، وَالْكَلِمَةُ كَانَ عِنْدَ اللهِ، وَكَانَ الْكَلِمَةُ اللهَ... »
فهو بداية كلّ بداية وهو قبل كلّ بداية. فإن كان الزوجان يقفان أمام هيكل ربّ الصباؤوت ومذبحه المقدس فإنّ ابن الله، الكلمة، هو بدء ارتباطهما في الجسد والروح معًا.
وما أجملها بداية وما أقدسه رباط في المسيح. وهذا إن انفتح له الوعي الروحي للعروسين، فإنّ الذي بدأ فيهم عملاً صالحًا يقدر أن يكمل..
لإنّه إن كان المسيح هو الباكورة لهذه الحياة الوليدة، فثمر صليب المسيح وقيامته هو المتحصَّل في الحياة كلها.
هو إذن حجر زاوية البيت، وهو بدء كلّ نهار وبدء كلّ عمل وبدء كلّ خطوة وحركة.. هو الكلّ في الكل.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق
اكتب تعليقك اذا كان لديك أى تسائل عن الموضوع وسنجيبك فور مشاهده تعليقك