2020/06/19

ارفعوا أعينكم وانظروا



ارفعوا أعينكم وانظروا (٣٥:٤)
هكذا كان طلب المسيح من تلاميذه على سبيل الوصية الواجبة الطاعة. والنظر لا يعنى مجرد المشاهدة ،ولكن الانفتاح على حقيقة ما واقتنائها. ورفع الأعين يعنى وجود مستويين للاستنارة أحدهما أدنى من الآخر ويحسب ظلاما بالمقارنة به. ولو كنا مكان التلاميذ لشعرنا بالحيرة ،فهوذا المسيح يخبرهم أن الحقول قد ابيضت للحصاد ،ينما عيونهم وعقولهم تخبرهم أن الحصاد لن يأتى قبل أربعة أشهر. وفى الحقيقة هذا هو قصد لله وتدبيره فى كل الخليقة أن يجعل على كل مجد غطاء (إش ٥:٤). والغطاء ليس هو الحق ولكنه الزيف الذى يستتر وراءه الحق وبالتالى يوجد من تتوقف بصيرته عند مستوى الغطاء ظانا أنه الحق ،ويوجد من يعمق طلبه ليقتنى الحق ذاته. يوجد من يستمد الحقيقة من خبرة الحواس والعقل فتخذله تلك الخبرة ليجد نفسه أمام الباطل عينه، بينما يوجد من يستشعر بحواسه الروحية المدربة استعلانات الروح القدس فى إنسانه الداخلى. الأول يبنى على الرمل ،والثانى على الصخر. الأول يبنى قشا وخشبآ يحترق، بينما الثانى ذهبآ وفضة تدوم. وكل ما يفنى ويزول ليس من الحق بشئ

والطبيعة نفسها تعلمنا ذلك. فأنت تنظر لوردة وتجزم أن لونها أحمر، ويقر أيضا الجميع بتلك الحقيقة. أما واقع الأمر فهو أنها امتصت كل الألوان ماعدا اللون الأحمر الذى عكسته فترائت للعين على أنها حمراء. أى أن الأحمر  هو اللون الوحيد غير الموجود فى كيان وحقيقة هذه الوردة. وبالمثل قد يتفق الجميع على هدوء مكان ما ،أما حقيقة الأمر فهى وجود صخب شديد من موجات صوتية متعددة فى هذا المكان لا تستطيع الأذن البشرية التقاطها. لذلك لا يستطيع أى إنسان أن يدعى أنه يعرف الحق ويمتلكه. ولعل هذا ما جعل السيد المسيح لا يجيب على سؤال بيلاطس عن ماهية الحق

إن كل ممارسة نسكية يمكن أن تعاش على مستوين : مستوى الباطل ومستوى الحق
فالصلاة قد تكون تكرارا باطلا للكلام (مت ٧:٦)، والتناول قد يكون كمن يأكل ويشرب دينونة لنفسه (كو ٢٩:١١)، والصوم تقدمة باطلة (إش ١٣:١). ولعل هذا هو السبب الذى سيجعل الكثيرين فى حيرة شديدة فى اليوم الأخير متسائلين : يارب، متى رأيناك جائعآ أو عطشانا أو غريبا أو عريانا أو مريضا أو محبوسا ولم نخدمك ؟ أما رد المسيح عليهم : الحق أقول لكم : بما أنكم لم تفعلوه بأحد هؤلاء الأصاغر، فبى لم تفعلوا    
( مت ٤٤:٢٥ _٤٥)،فهو يوضح كيف أن أولئك أدينوا لأنهم لم يميزوا الحق فيما رأوه ،حيث كان أولئك الأصاغر الغطاء الذى اختفى هو وراءه الحق. وهكذا يوضح سؤال المسيح لنا : فإن لم تكونوا أمناء فى مال الظلم، فمن يأتمنكم على الحق؟ (لو ١١:١٦)، أن للغطاء  الباطل وظيفة امتحان مدى أمانة جهادنا فى السعى. وإذ أخضع الإنسان للبطل بالعيش فى عالم 🌐 زائف فإنه يئن ويتمخض فيما هو يعطى ما ليقصر إلى أن يعتق من مستوى عبودية الفساد، ويؤتمن على مستوى حق ومجد أولاد لله 

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

اكتب تعليقك اذا كان لديك أى تسائل عن الموضوع وسنجيبك فور مشاهده تعليقك

إعلان1
إعلان2
إعلان3