كلمات روحيّة للحياة
كرامة الزواج المسيحي
-1-
«لِيَكُنِ الزِّوَاجُ مُكَرَّمًا عِنْدَ كُلِّ وَاحِدٍ، وَالْمَضْجَعُ غَيْرَ نَجِسٍ» (عب13: 4).
الزواج في إيماننا الأرثوذكسي.. مُقدّس بكلّ المقاييس والمعايير، إذ هو سرّ من أسرار البيعة وهو عمل الله.
ليس من حقّ أي أحد أن يحتقر الزواج.. لقد قام أناس مبتدِعون في القرن الأول يُحَقّرون من شأن الزواج ويُحَرّمونه ويمنعونه. فعُقِدَتْ ضدّهم المجامع، وحرمهم الآباء ومن يقول بقولهم.
في كنيستنا المقدّسة يوجَد المتبتّلون والرهبان، ويوجَد المتزوِّجون وجميعُهم أعضاء في جسد الكنيسة الواحدة. والمتبتّلون لا يحتقرون الزواج، بل كوصية الرسول يكرمونه، والآباء الأساقفة يباركون ويقدّسون سِرّ الزيجة وهم رهبان بتوليون.
في الكنيسة الواحدة توجَد المواهب المختلِفة، تخدِم الروح الواحد، والمسيح الواحد، بإيمان واحد لبناء ملكوت الله.. «لاَ يَزْدَرِ مَنْ يَأْكُلُ بِمَنْ لاَ يَأْكُلُ» (رو14: 3). هذا قانون عاشت به الكنيسة كلّ أجيالها.
فِراش الزيجة مقدس طاهر، لا يوجد فيه ظلّ للخطيّة أو شِبه الدنس. أفكار أهل العالم الجسدانيّين بعيدة كلّ البعد عن حياة أولاد الله.. في صلوات الإكليل نقول: «هكذا اتخذ سائر الآباء المؤمنين امرأة واحدة بطُهر ونقاوة لطلب الذرّيّة وايجاد الخَلَف».. فمنذ البدء تحوِّط النقاوة والطهر حياة الآباء القديسين، وبكلّ وضوح تُصَلِّي الكنيسة قائلةً: «احرُس مضجعهما نقيًّا».
سِيرة أهل العالم وطرقهم وأفكارهم ولغتهم شيء مُزري، تجزع منه النفس، ويشمئز منه كلّ مَن يحيا بالروح. أمّا سِيرة الآباء القدّيسين الذين عاشوا في الزّيجة المقدّسة، فيَشتمّ الإنسان منها رائحة النقاوة والطهارة والتعفُّف، وثمرهم كان مباركًا وزرعهم كان نسلٌ باركه الربّ.
لغة الروح:
يوصي القديس بولس الرسول – من جهة العلاقات الزوجية – ردًّا على ما كتَبَه أهل كورنثوس إليه، يستوضحون هذا الأمر كيف يكون، قائلاً: «لِيُوفِ الرَّجُلُ الْمَرْأَةَ حَقَّهَا الْوَاجِبَ، وَكَذلِكَ الْمَرْأَةُ أَيْضًا الرَّجُلَ. لَيْسَ لِلْمَرْأَةِ تَسَلُّطٌ عَلَى جَسَدِهَا، بَلْ لِلرَّجُلِ. وَكَذلِكَ الرَّجُلُ أَيْضًا لَيْسَ لَهُ تَسَلُّطٌ عَلَى جَسَدِهِ، بَلْ لِلْمَرْأَةِ. لاَ يَسْلُبْ أَحَدُكُمُ الآخَرَ، إِلاَّ أَنْ يَكُونَ عَلَى مُوافَقَةٍ، إِلَى حِينٍ، لِكَيْ تَتَفَرَّغُوا لِلصَّوْمِ وَالصَّلاَةِ، ثُمَّ تَجْتَمِعُوا أَيْضًا مَعًا لِكَيْ لاَ يُجَرِّبَكُمُ الشَّيْطَانُ لِسَبَبِ عَدَمِ نَزَاهَتِكُمْ. وَلكِنْ أَقُولُ هذَا عَلَى سَبِيلِ الإِذْنِ لاَ عَلَى سَبِيلِ الأَمْر» (1كو7: 1–6).
فالوحي الإلهي حينما يتعرّض لهذا الأمر، يتكلّم كلام التعفُّف ولغة الطهارة، وشتّان بين كلام الروح وكلام أهل العالم. فالروح يضع إطار الحشمة والوقار على كلّ كلمة، وهكذا يتعلّم أولاد الله أن يكون فكرهم ولغتهم متمشِّية مع الروح، كمتعلّمِين من الروح.. أمّا كَلاَمُ السَّفَاهَةِ، وَالْهَزْلُ، وَالْقَبَاحَةُ، الَّتِي لاَ تَلِيقُ، فَلاَ يُسَمَّ بَيْنَكُمْ كَمَا يَلِيقُ بِقِدِّيسِينَ.. (أف5: 4، 3) هكذا يوصي الرسول بولس.
فمِن جِهة العلاقات الزوجيّة أسمَاها الوحي «إيفاء حَقّ واجب» وكأنّ الواحد مديونٌ للآخر. انظر كيف يحوِّل الروح الإنسان عن ذاته لكي يكون للآخَر؟ ومن جهة أنّه حَقّ واجِب السداد، فلا مكان للأنانية ولا للذاتية.
ثم يوصي الرسول ألاّ يكون هناك سَلب عن غير إرادة أو موافقة، لئلاّ يَسقُط الإنسان في غواية وابتزاز واشباع نزوات، كأهل العالم المُغتصِبين والمتجبّرين، ولئلا يَفقِد احترامه للآخر حين يَسلِبه، أو كأنّه يهينه، إذ لم يعُد شريكه بل كأنّه أداة أو آلة لتكميل الشهوات الجسديّة.
وقد أوصى الرسول أيضًا في إطار الروح، أن يكون الاجتماع إلى حين، ليتفرّغوا للصوم والصلاة، وكأنّ القصد والهدف من الحياة هو الصوم والصلاة. وإن يكن هذا الأمر أساسيًّا في حياة الأزواج، ولكن ليكُن بلياقة أي إلى حين، ثم يتفرّغون للصوم ناظرين إلى ما هو للروح، ومهتمّين اهتمامًا سماويًّا لكي يحيوا في مِلء خوف الله، وضبط الجسد والفكر واللسان وكلّ الحواس، متقوّين بالصلاة والصوم على هدم كلّ حصون العدو الشرير.
وهكذا يحصُل الإنسان الروحي في حياته على الإفراز والاتّزان، لأنّه إن اختلّت الموازين من جِهة الجسد، وصار الإفراط وعدم النزاهة، يُجرَب الإنسان من الشيطان كقول الرسول: «يُجَرِّبَكُمُ الشَّيْطَانُ لِسَبَبِ عَدَمِ نَزَاهَتِكُمْ» وهذا معناه أنّ العدو الشيطان متى وجد الإنسان عديم النزاهة ومتردِيًا في الإفراط في شهوات الجسد، فإنّه يجرّبه بالأكثر بأوجاع وحِيَل وتجاوُزات تُحدِر النفس إلى مستنقع من وحل الخطايا، بحسب ما هو حاصل في حياة أهل العالم الجسدانيّين.
فالضابط إذن هو الصوم والصلاة.
(يُتَّبَع)
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق
اكتب تعليقك اذا كان لديك أى تسائل عن الموضوع وسنجيبك فور مشاهده تعليقك