2020/04/20

القيامة ارتقاء برتبة الانسان

❇️ الانسان المسيحى له رتبة ذات شرف وكرامة روحية عظيمة وفى الوضع المثالى الذى نرجوه لكل مؤمن لا ينبغى له أن ينزل عن مستوى هذه الرتبة التى شرفة بها الرب، ومن خلالها دعى إلى نصيب مبارك فى عشرة الرب.
❇️ ورتبة الانسان التى نقصدها لا علاقة لها بالحياة الجسدية أو الوضع الاجتماعى. بمعنى أن المؤمن لا يستمد كيانه من تشريف أرضى أو تنظيم بشرى أو مكانة بارزة يضعة الناس فيها. بل بالعكس أحيانآ تكون حسابات. الناس فى ترتيب بعضهم البعض حسابات خاطئة مزيفة "لأنه ليس من مدح نفسه هو المزكى بل من يمدحه الرب" (٢كو١٨:١٠).
❇️ وأيضآ حديثنا فى هذا الموضوع عن رتبة الانسان لا ينصب على دراستة للرتب الكنسية (الكهنوتية والشماسية) وعلاقتها بالقيامة ،لكننا نعنى بالدرجة الأولى المفاهيم الروحية العميقة المتصلة بحياة الانسان ورسالته فى الحياة تجاه نفوس من حوله، وعلاقة هذا كله بفاعلية القيامة وقوتها فيه.
❇️ ويذكرنا القديس بولس الرسول بمعنى كلمة "الرتبة" حينما يقول فى تعليقة على قيامة الرب "كما فى آدم يموت الجميع هكذا فى المسيح سيحيا الجميع ولكن كل واحد فى رتبته" (١كو٢٣،٢٢:١٥).
❇️ إن القيامة المجيدة قد ردت الانسان إلى رتبته الروحية الأولى كما يقول القديس غريغوريوس فى القداس الالهى :".. وعندما سقط بغواية العدو ومخالفة وصيتك المقدسة وأردت أن تجدده وترده إلى رتبته الأولى.. " ولنا فى لقاء الرب يسوع وحواره مع تلميذه بطرس الرسول عقب القيامة، والذى ورد فى الأصحاح ٢١ من انجيلةيوحنا ما يلقى الضوء على امتيازات المؤمن ومواصفات رتبته الجديدة الشريفة من خلال القيامة المجيدة لراعى الرعاة الأعظم الرب يسوع. لقد رد الرب الاله بطرس الرسول إلى رتبته كرسول وخادم وشاهد وشهيد من خلال إعادته مرة أخرى إلى :
١_ كرامة الرسولية.
٢_ متطلبات الرعاية.
٣_ فضيلة الحب.
٤_أمانة التبعية.
٥_الخلود والحياة الأبدية.
❇️ هذه الحياة الجديدة فى المسيح يسوع قد أتيحت لنا من خلال اتحادنا بشخصه القائم من بين الأموات. "فإن كنتم قد قمتم مع المسيح فأطلبوا ما فوق حيث المسيح جالس عن يمين الله. اهتموا بما فوق لابما على الأرض" (كو١:٣، ٢).لنبدأ رحلتنا فى حوار يسوع مع تلميذه بطرس الرسول من خلال:
          ١_كرامة الرسولية
❇️ المؤمن عمومآ-والخادم بصفة خاصة- هو رسول من قبل الله وسفير عن المسيح :" إذن نسعى كسفراء عن المسيح كأن الله يعظ بنا. نطلب عن المسيح تصالحوا مع الله"
(٢كو ٢٠:٥).
❇️ وكما يقول الكتاب عن الكاهن :" لأن شفتى الكاهن تحفظان معرفة ومن فمه يطلبون الشريعة لأنه رسول رب الجنود" (ملاخى ٧:٢)، هكذا نقول أيضآ عن كل مؤمن حقيقى إنه رسول من قبل الرب، ونتذكر هنا إرسالية الرب لخدامه السبعين عندما أرسلهم أمام وجهه اثنين اثنين.
❇️ إذن المؤمن عموما-ولو من قبيل المجاوز والتأمل - يحمل رتبة الرسولية. وينبغى أن يحافظ الانسان على هذه الرتبة بكل ما فيها من شرف واعزاز وطهر وأصالة. لايليق بنا أن نجلس مع الجوارى والعبيد نصطلى بالنار التى تدخلنا إلى برودة الجهاد وتسحب شفاهنا إلى خطية انكار ولعن، بل يليق بنا بالحرى أن تكون لنا جلستنا الوقورة مع جماعة المؤمنين رسل رب الجنود، وهنا يتراءى الرب ويقول لكل منا:"سمعان أتحبنى ارع غنمى!"..
❇️ وهكذا كل انسان فينا كرامة رتبته ويعى جيدآ ما يليق بمستواه وحياته كسفير عن المسيح ينتقى المجتمع الذى يعايشه ،والبيئة التى يجالسها، والصحبة التى يناجيها، وجماعة المؤمنين التى يلتصق بها.
❇️ أيها المؤمن القائم : من خلال قيامة فاديك ومخلصك:
    أعرف وضعك كرسول ؛وافهم رتبتك كسفير!
          ٢_متطلبات الرعاية
❇️ "أتحبنى ارع غنمى" (يو ١٧:٢١).
❇️  القيامة ترد الخروف الضال "وتفتح عيون العمى وتخرج من الحبس المأسورين من بيت السجن الجالسين فى الظلمة" (اش٧:٤٢). وفى المقابل لهذا فإن القيامة _ عندما نعيش بقوتها _ تعطى نعمة للانسان فتجعل منه "عهدا للشعب ونورآ للأمم" (اش٦:٤٢).وتحوله إلى" راعى يرعى قطيعه. بذراعه يجمع الحملان ،وفى حضنه يحملها ويقود المرضعات"(اش١١:٤٠).
❇️ لقد جاءت القيامة بمفاعيلها العجيبة :"ونحن أيضا الجلوس فى الظلمة زمانآ أنعم علينا بنور قيامته من قبل تجسده الطاهر فليضئ علينا نور معرفتك الحقيقية لنضئ بشكلك المحيى" (قسمة للابن على القيامة).
❇️ فإذا كانت القيامة هى محور أساسى فى خطة الله لخلاص النفس. فالانسان القائم الذى ترده القيامة إلى رتبته هو الخادم المستمر فى البحث عن خلاص النفوس ورعاية الغنم، ورتبته تتعاظم- ليس بالترقى الأدبى - بل بمقدار رعايته الحقيقية للخراف التى مات من أجلها المسيح وقام.
❇️ "وهو مات لأجل الجميع كى يعيش الأحياء فيما بعد لالأنفسهم بل للذى مات لأجلهم وقام" (٢كو١٥:٥).
          ٣_فضيلة الحب
❇️ سأل الرب تلميذه بطرس قائلآ:"أتحبنى؟" ثلاث مرات
ع١٥، ١٦، ١٧، فأجابه بطرس وقال : "أنت تعرف كل شئ أنت تعرف أنى أحبك" ع١٧.
❇️ لارتبة للانسان مطلقآ بدون محبة قلبية عميقة تملأ قلبه تجاه الرب. إن القيامة تجدد الحب وتصلقه لأنها تكشف حب الهنا لنا وتدفعنا لمبادلته بهذا الحب. "نحن نحبه لأنه هو أحبنا أولا" (١يو ١٩:٤).
❇️ فى صلوات الكنيسة نناجى الرب قائلين : ياجراح المسيح اجرحينى بحربة الحب الإلهى. ياموت المسيح اسكرنى بحب من مات من أجلى " (قسمة سنوية للابن).
❇️ إن هذا الاله القائم من بين الأموات هو نفسه" الذى فتح جنبه بالحربة لكى ندخل إليه ونسكن فى عرش نعمته وسال الدم من جسده لنغتسل من آثامنا وآخيرآ مات ودفن فى القبر ليقيمنا من موت الخطية ويحيينا حياة أبدية
(صلاة القسمة السابقة).
❇️ الحب هو الطاقة الكبرى المحركة لقلب الانسان ،وهو الديناميكية الهائلة التى تتوقف عليها مسيرة المؤمن ونشاطه وبذله وتضحيته.
❇️ إن بطرس الرسول - بكل تأكيد - انطلق فى خدمته بصورة عجيبة ومذهلة بعدما تجدد حبه لالهه، وأسره الرب بمحبته العجيبة بل وحمله مسئولية الرعاية والخدمة من منطلق الحب أولآ: "اتحبنى ارع غنمى.. ارع خرافى". وكأن الرب فى تجديده لبطرس وإعادته لرتبته الخادمة وقع معه عهدآ جديدآ هو عهد الحب كأساس لانطلاقه فى خدمة الرسولية وعمل الرعاية.
❇️ إن هناك خطوات نصعدها بالضرورة على درج الخدمة وللشهادة للرب :نتأمل جراحاته - نحبه لانه أحبانا أولا.
نشهد لقيامته - نخدم ونرعى ونبذل وننطلق.
          ٤_أمانة التبعية

❇️ "ولما قال هذا قال له اتبعنى" (يو ١٩:٢١).
لا يغيب عن ذهننا أبدآ لحن التسبحة المشهور الخاص بالتبعية :"تين أووه إنسوك - نتبعك بكل قلوبنا". وشتان  بين تبعية بطرس أولا للمسيح فى غضون محاكمة الرب، تلك التى انتهت بدخول بطرس إلى جلسة العبيد ونزوله إلى مستوى أخاديث الضعف والانكار، وبين تبعيته للمسيح الآن تلك التى ستنتهى فى قمتها الرائعة إلى الشهادة وسفك الدم والصلب منكس الرأس. لذلك فتبعية المؤمن للمسيح مرتبطة باختبار قوة القيامة من الموت والضعف والتهاون مع خلع الانسان العتيق بغروره وشهواته.
❇️ إن تبعية بطرس الرسول الآن للرب يسوع تتناسب مع رتبته الأولى كخادم ورسول ومحب!
❇️ ما أجمل طقس الكنيسة وهى تسحب مشاعرنا وقلوبنا وافكارنا، ونحن نتبع دورة أيقونة القيامة فى فترة الخماسين المقدسة. إننا فى هذا الطقس المفرح الذى يذكرنا بظهور الرب لتلاميذه ووجوده فى وسطهم بعد القيامة ليثبت إيمانهم ويؤكد تبعيتهم له إنما نتبع الرب ونشهد عن أنفسنا أننا لانتبع آخر سواه!
❇️ ومن أحاديث الرب نفسه فى البشائر الأربعة نتعلم شروط تبعيته الجادة المخلصة: (إنكار ذات وتجرد - احتقار لأباطيل العالم - نبيع ونتبع - أعط الفقراء فيكون لك كنز فى السماء وتعال أتبعنى).
❇️ إن القيامة تقوينا فلا نعود نعيش فى أركان العالم 🌏 الضعيفة وشهواته. وفى هذا يقول معلمنا بولس الرسول :"إن كنتم قد متم مع المسيح عن أركان العالم فلماذا كأنكم عائشون فى العالم تفرض عليكم فرائض لا تمس ولا تذوق ولا تجس. التى.. ليس بقيمة مامن جهة أشباع البشرية"
 (كو٢ :٢٠-٢٣).وأيضا "إن كنتم قمتم مع المسيح فأطلبوا ما فوق حيث المسيح جالس عن يمين الله. اهتموا بما فوق لابما على الارض : لأنكم قد متم  وحياتكم مستترة مع المسيح فى الله"(كو ٢،١:٣).
❇️ إذن لانعود نتبع المسيح" من بعيد"(لو ٥٤:٢٢)،ولا نكون مثل شاب" تبعه لابسا إزارآ على عريه فأمسكه الشبان. فترك الإزار وهرب منهم عريانآ" (مر ٥٢،٥١:١٤).بل نكون واقفين عند الصليب" مثل مريم أمه والتلميذ الذى كان يسوع يحبه"(يو٢٦:١٩)،نقوم باكرآ والظلام باق ونذهب إلى القبر ونرى القيامة العجيبة ،ونجلس فى العلية وننتظر مجيئه والأبواب مغلقه. ونفتح آذاننا لتملأها كلمات السلام التى خرجت من فمه (القديس يوحنا سابا:الشيخ الروحانى).
          ٥_الخلود والحياة الأبدية

❇️ إن ارتباطنا الحى بربنا يسوع المسيح القائم من بين الأموات لاينحصر فقط فى زمان غربتنا فى العالم فحسب، لكن هذا الزمان هو عربون لحياتنا وخلودنا فى الأبدية. وهذا قد تحقق لنا بالقيامة.
❇️ لذلك يقول معلمنا بولس الرسول فى أصحاح ١٥ من رسالته الأولى لأهل كورنثوس (أصحاح القيامة) :"إن لم تكن قيامة أموات فلا يكون المسيح قد قام وإن لم يكن المسيح قد قام فباطلة كرازتنا وباطل أيضا إيمانكم.. إن كان لنا فى هذه الحياة رجاء فى المسيح فإننا أشقى جميع الناس. ولكن الأن قد قام المسيح من الأموات وصار باكورة الراقدين" (١كو١٥: ١٣- ٢٠).
❇️ إن القيامة نقلتنا من التفكير فى الفناء والإضمحلال إلى الانشغال بالأبدية السعيدة والتمتع بها:" وكما لبسنا صورة الترابى سنلبس أيضآ صورة السماوى "(١كو ٤٩:١٥).
❇️ وفى مديح ياكل الصفوف السمائيين نشير فى هذا المعنى فنقول:
قد قام الرب مثل النائم          وكالثمل من الخمرة
ووهبنا النعيم الدائم              وعتقنا من العبودية المرة
وسبى الجحيم سبيآ              وحطم  أبوابه النحاس
وكسر متاريسه الحديد كسرآ   وأبدل العقوبة بالخلاص
❇️ إن رتبتة الانسان أصلآ هى للخلود ومصيره فى الحياة والبقاء. ولكن هذه الصورة قد تشوهت وتمزقت بدخول الخطية إلى جسد البشرية وهكذا "دخل الموت إلى جميع الناس إذ أخطا الجميع" (رو١٢:٥).
❇️ الآن بقيامة المسيح ندخل إلى نعيم الحياة ونتحسس طريقنا إلى الأبدية مع المسيح الحى، ونهتف مع معلمنا بولس الرسول قائلين :"فإن كنا قدمتنا مع المسيح نؤمن أننا سنحيا أيضآ معه. عالمين أن المسيح بعدما أقيم من الأموات لايموت أيضا. لايسود عليه الموت بعد. لأن الموت الذى ماته قد ماته للخطية مرة واحدة والحياة التى يحياها فيحياها لله. كذلك أنتم أيضا احسبوا أنفسكم أمواتآ عن الخطية هى موت. وأما هبة الله فهى  حياة أبدية بالمسيح يسوع ربنا"(رو ٢٣:٦).
❇️ ونحن كخدام ينبغى أن نعلم أولادنا كثيرا عن الخلود والأبدية ،بل ينبغى أن يكون تعليمنا دائمآ سماويآ أبديآ مشدودآ إلى فوق.
❇️ أيها القارئ: إرتفع إلى فوق وارفع معك النفوس التى أؤتمنت عليها. قم من سقطتك وأقم من هم ساقطين.
إستيقظ أيها النائم وقم من بين الأموات فيضئ لك المسيح.


ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

اكتب تعليقك اذا كان لديك أى تسائل عن الموضوع وسنجيبك فور مشاهده تعليقك

إعلان1
إعلان2
إعلان3