- 9 -
صلـوات التجنيـز:
بإلهام روحيّ اختار الآباء معلمو البيعة، الفصول المناسبة لصلوات التجنيز، فمثلاً في تجنيز الرجال، يُقرَأ فصل البولس عن قيامة الأموات من الرسالة إلى كورنثوس، ثم فصل الإنجيل عن الآب والابن والعلاقة الجوهرية والوحدانية في الكرامة والسلطان.
فالقيامة هي حجَر أساس الإيمان.. وهي رجاء الأحياء والأموات. وإن كانت الكنيسة تودِّع أبًا قد رقد في الربّ، فمصدر الأبوّة الحقيقيّة هي الله الآب.. وإن كان الأبناء يَحزَنون وقتيًّا، ولكن كمال البنوّة هي في المسيح؛ الذي يُعلِن أنّه واحدٌ مع الآب بوحدانيّة لا يُنطَق بها. فاستعلان مجد الأبوّة والبنوّة يستطيع أن يلغي ظِلَّ موت الأب، وتركَهُ أولاده يتامى.. فالآب هو أب الأيتام وقاضي الأرامل. والتمتُّع بالله أبينا، هو التعويض الوحيد لفقد الأب الجسدي.
وفي تجنيز السيّدات، يُقرَأ فصل الإنجيل عن المرأة التي سكبَت الطيب على جسد الربّ، وقول الربّ: «حَيْثُمَا يُكْرَزْ بِهذَا الإِنْجِيلِ فِي كُلِّ الْعَالَمِ، يُخْبَرْ أَيْضًا بِمَا فَعَلَتْهُ هذِهِ تَذْكَارًا لَهَا» (مت26: 13).
جسد الربّ هو كنيسته. وتطييب هذا الجسد ولا سيما الأعضاء الضعيفة والمحتاجة، يُخلِّد ذِكر النفوس إلى مجيء الربّ، وإلى أبد الأبدين. فأعمال الأمّهات المسيحيّات اللآتي يرقدن في الربّ، هو بمثابة سكب الطيب؛ يملأ الكنيسة برائحة المسيح الزكيّة.
وفي تجنيز الصبيان، يُقرَأ إنجيل إقامة ابن أرملة نايين، الذي أقامه الرب مُتحنِّنًا على الأرملة. لكي تسكُب الكنيسة عزاءها، من ذات شخص المسيح القائم في وسطها.
وفي تجنيز البنات، يُقرَأ إنجيل إقامة ابنة يايروس، بنت الاثنتيّ عشرة سنة، التي أقامها ماسكًا بيدها قائلاً: «يَا صَبِيَّةُ، قُومِي» (لو8: 54).
«فالْمَسِيحُ هُوَ هُوَ أَمْسًا وَالْيَوْمَ وَإِلَى الأَبَدِ» (عب13: 8)، وهو القيامة ذاتها، وقيامتنا كلّنا حاضرة فيه.
وفي تجنيز الشمامسة، يُقرَأ قولُ الربّ يسوع: «حَيْثُ أَكُونُ أَنَا هُنَاكَ أَيْضًا يَكُونُ خَادِمِي. وَإِنْ كَانَ أَحَدٌ يَخْدِمُنِي يُكْرِمُهُ الآبُ» (يو12: 26).
وفي تجنيز الكهنة، يُقرَأ قولُ بولس الرسول: «إِلَى هذِهِ السَّاعَةِ نَجُوعُ وَنَعْطَشُ وَنَعْرَى وَنُلْكَمُ... أَنْتُمْ مُكَرَّمُونَ، وَأَمَّا نَحْنُ فَبِلاَ كَرَامَةٍ» (1كو4: 10، 11). ثم يُقرَأ إنجيل الوزنات، حيث يقدِّم الكاهن للمسيح قول الإنجيل «خَمْسَ وَزَنَاتٍ سَلَّمْتَنِي. هُوَذَا خَمْسُ وَزَنَاتٍ أُخَرُ رَبِحْتُهَا فَوْقَهَا... فيسمع قول الرب نِعِمَّا أَيُّهَا الْعَبْدُ الصَّالِحُ وَالأَمِينُ كُنْتَ أَمِينًا فِي الْقَلِيلِ فَأُقِيمُكَ عَلَى الْكَثِيرِ. اُدْخُلْ إِلَى فَرَحِ سَيِّدِكَ» (مت25: 20، 21).
وهكذا مَن يدرِك هذا التدبير الروحي، تتعزّى نفسُهُ تعزيات ليسَتْ بقليلة.
* الصلاة من أجل الراقدين:
نستطيع أن نقول، أنّ الذين رقدوا في الربّ، وجازوا من هنا إلى هناك، واستودَعوا نفوسهم عنده، هم في حالِ الصلاة الدائمة، إذ هم يحيون حالة حضور مع الرب وعِشرة مع القدّيسين.
فإن كان الحال كذلك، فهم شُفَعَاء عنّا أمام المسيح. فإن كانت الوصية: «صَلُّوا بَعْضُكُمْ لأَجْلِ بَعْضٍ» (يع5: 16)، «أَحِبُّوا بَعْضُكُمْ بَعْضًا مِنْ قَلْبٍ طَاهِرٍ بِشِدَّةٍ» (1بط1: 22).. وأنّنا بالفِعل أعضاء الجسد الواحد؟ فإنّ وجودَهم خارج الجسد كأعضاء مُمَجَّدة يُزيد صِلَتَنا بهم، واهتمامهم بنا.
+ والصلاة تَجمَع الأعضاء في الروح والمحبّة.. إن كانت شركة ما في المحبّة، فالشركة في الروح قائمة، وعِشرة القدّيسين ليسَتْ خيالاً. لذلك وجب الصلاة لأجلهم في كلّ القُدّاسات والتذكارات. فذِكرهم أمام الله يَشهَد للشركة مع المسيح في الروح. هم يشفعون فينا بما لهم من قُربَى وحضور وحالة الاستعلان التي يحيونها. ونحن نطلب لهم راحة في نعيمهم، كما طلب القديس بولس من أجل أُنيسيفورس قائلاً: «لِيُعْطِهِ الرَّبُّ أَنْ يَجِدَ رَحْمَةً» (2تي1: 18). لذلك يقول الكاهن في أوشية الراقدين: «تَفَضَّل يا رب نيِّح نفوسهم»، إذ ليس من المعقول أن تنقطع الشركة والصلة بأعضاء جسد الرب بمجرد خروجهم من الجسد. بل على العكس تمامًا، تزداد صِلَتُنا بهم، وشركتنا معهم، كأعضاء مكرَّمة ومُنعَم عليها، بعد أن أكملوا السعْي المقدس، وحفظوا الإيمان، وصاروا سابقين لنا في الوصول إلى الميناء بسلام.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق
اكتب تعليقك اذا كان لديك أى تسائل عن الموضوع وسنجيبك فور مشاهده تعليقك