هكذا كان طلب المسيح من تلاميذه على سبيل الوصية الواجبة الطاعة . والنظر لا يعنى مجرد المشاهدة ولكن الانفتاح على حقيقة ما واقتنائها ورفع الأعين يعنى وجود مستويين للاستنارة أحدهما أدنى من الاخر ويحسب ظلاما بالمقارنة به . ولو كنا مكان التلاميذ لشعرنا بالحيرة فهوذا المسيح يخبرهم أن الحقول قد ابيضت للحصاد ينما عيونهم وعقولهم تخبرهم أن الحصادلن يأتى قبل أربعة أشهر وفى الحقيقية هذا هو قصد الله وتدبيرة فى كل الخليقة أن يجعل "على كل مجد غطاء " (إش 5:4) والغطاء ليس هو الحق ولكنه الزيف الذى يستتر وراءه الحق وبالتالى يوجد من تتوقف بصيرته عند مستوى الغطاء ظانا أنه الحق ويوجد من يعمق طلبه ليقتنى الحق ذاته . يوجد من يستمد الحقيقية من خبرة الحواس والعقل فتخذله تلك الخبرة ليجد نفس أمام الباطل عينه بينما يوجد من يستشعر بحواسه الروحية المدربة استعلانات الروح القدس فى إنسانه الداخلى . الأول يبنى على الرمل والثانى على الصخر . الأول يبنى قشا وخشبا يحترق بينما الثانى ذهبا وفضة تدوم وكل ما يفنى ويزول ليس من الحق بشئ
والطبيعة نفسها تعلمنا ذلك فأنت تنظر لوردة وتجزم أن لونها أحمر ويقر أيضا الجميع بتلك الحقيقة أما واقع الأمر فهو أنها امتصت كل الأإلوان ماعدا اللون الأحمر الذى عكسته فتؤائت للعين على أنها حمراء . أى أن الأحمر هو اللون الوحيد غير الموجود فى كيان وحقيقة هذة الوردة وبالمثل قد يتفق الجميع على هدوء مكان ما أما حقيقة الأمر فهى وجود صخب شديد من موجات صوتية متعددة فى هذا المكان لا تستطيع الأذن البشرية التقاطها لذلك لا يستطيع أى إنسان أن يدعى أنه يعرف الحق ويمتلكه ولعل هذا ما جعل السيد المسيح لا يجيب على سؤال بيلاطس عن ماهية الحق
إن كل ممارسة نسكية يمكن أن تعاش على مستويين : مستةى الباطل ومستوى الحق فالصلاة قد تكون تكرارا باطلا للكلام (مت 7:6) والتناول قد يكون كمن يأكل ويشرب دينونة لنفسة ( كو 29:11) والصوم تقدمة باطلة (إش 13:1) ولعل هذا هو السبب الذى سيجعل الكثيرين فى حيرة شديدة فى اليوم الأخير متسائلين : "يارب متى رأيناك جائعا أو عطشانا أو غريبا أو عريانا أو مريضا أو محبوسا ولم نخدمك ؟" أما رد المسيح قائلا "الحق أقول لكم : بما أنكم لم تفعلوه بأحد هؤلاء الأصاغر فبى لم تفعلوا " (مت 44:25_45) فهو يوضح كيف أن أولئك أدينوا لأنهم لم يميزوا الحق فيما رأوه حيث كان أولئك الأصاغر الغطاء الذى اختفى هو وراءه الحق وهكذا يوضح سؤال المسيح لنا " فإن لم تكونوا أمناء فى مال الظلم فمن يأتمنكم على الحق "؟ (لو 11:16) أن للغطاء الباطل وظيفة امتحان مدى أمانة جهادنا فى السعى وإذ أخضع الإنسان للبطل بالعيش فى عالم زائف فإنه يئن ويتمخضفيما هو يعطى ما لقيصر إلى أن يعتق من مستوى عبودية الفساد ويؤتمن على مستوى حق ومجد أولاد الله
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق
اكتب تعليقك اذا كان لديك أى تسائل عن الموضوع وسنجيبك فور مشاهده تعليقك