تأمّلات في أصحاحات من سفر التكوين
أصحاح 21
-1-
« وَٱفْتَقَدَ ٱلرَّبُّ سَارَةَ كَمَا قَالَ، وَفَعَلَ ٱلرَّبُّ لِسَارَةَ كَمَا تَكَلَّمَ. فَحَبِلَتْ سَارَةُ وَوَلَدَتْ لِإبرَاهِيمَ ٱبْنًا فِي شَيْخُوخَتِهِ، فِي ٱلْوَقْتِ ٱلَّذِي تَكَلَّمَ ٱللهُ عَنْهُ. وَدَعَا إبرَاهِيمُ ٱسْمَ ٱبْنِهِ ٱلْمَوْلُودِ لَهُ، ٱلَّذِي وَلَدَتْهُ لَهُ سَارَةُ «إِسْحَاقَ». وَخَتَنَ إبرَاهِيمُ إِسْحَاقَ ٱبْنَهُ وَهُوَ ٱبْنُ ثَمَانِيَةِ أَيَّامٍ كَمَا أَمَرَهُ ٱللهُ. وَكَانَ إبرَاهِيمُ ٱبْنَ مِئَةِ سَنَةٍ حِينَ وُلِدَ لَهُ إِسْحَاقُ ٱبْنُهُ. وَقَالَتْ سَارَةُ: قَدْ صَنَعَ إِلَيَّ ٱللهُ ضِحْكًا. كُلُّ مَنْ يَسْمَعُ يَضْحَكُ لِي. وَقَالَتْ: مَنْ قَالَ لِإبرَاهِيمَ: سَارَةُ تُرْضِعُ بَنِينَ. حَتَّى وَلَدْتُ ٱبْنًا فِي شَيْخُوخَتِهِ. فَكَبِرَ ٱلْوَلَدُ وَفُطِمَ. وَصَنَعَ إبرَاهِيمُ وَلِيمَةً عَظِيمَةً يَوْمَ فِطَامِ إِسْحَاقَ» (21: 1–8).
💠
« وَٱفْتَقَدَ ٱلرَّبُّ سَارَةَ كَمَا قَالَ... وَفَعَلَ كَمَا تَكَلَّمَ». مواعيد الله ثابتة وأكيدة، صادقة وأمينة، تزول دونها السموات والأرض.. وما يلزمنا فقط هو الثقة والتصديق القلبي لمواعيد الله.. بهذا ننال تحقيق المواعيد العُظمَى والثمينة، ليس فقط ما يتحقّق مِنها زمنيًّا، ولكن بالأكثر من جهة ما أعدَّه الله للذين يحبّونه، وما وَعَدَ به من مجدٍ لا يزول وأكاليل لا تضمحل، ومن أمور لا تخطُر على فكر بشر.. هذا هو الإيمان والرجاء. بهذا الإيمان -في كلمة الله ومواعيده– أخذت سارّة القدرة على إنشاء نسل، وبعد موعد السنّ وَلَدَتْ. آمنَتْ بما قيل لها، وصدّقَت وتأكّدت بيقين شديد أنّ الذي وَعَدَ هو صادق..
💠
من الأمور التي يجِب أن ننتبِه إليها.. أنّ «لِكُلِّ شَيْءٍ تَحْتَ السَّمَاوَاتِ وَقْتٌ» (جا3: 1)، في تدبير القدير هناك زمان ووقت مقبول؛ فحينما يجيء مِلء الزمان، يحصُل تحقيق المواعيد..
الإنسان بحسب طبعِه البشريّ كثير القلق، قليل الصبر يتعجّل الأمور.. يرى دائمًا بعين محدودة، وكثيرًا ما تكون نظرته قاصرة، منحصِرة في مصلحة ذاتية، أمّا التدابير الإلهيّة فهي تهدِف إلى أعمال أعظم، وإلى سنوات ودهور، بل أنّها تنتهي دائمًا إلى الخير الأبدي.
الإنسان بحسب محدوديّة كيانه، ينحصر دائمًا في الزمن، بينما تدابير الله تتخطّى الزمن وتتعدّاه إلى الأبد، فكيف يُدرِك الإنسان المقاصد الإلهيّة ما لم يتعلّق قلبيًّا بالأبديّ، الإله القدير غير الزمني؟!
💠
قد يحدُث أنّ الإنسان يتقدّم إلى الله بسؤال الصلاة، من نحو طِلبة أو أمنية، ويُلِحّ في الطلب ويكرِّر السؤال، ويكون الله في تدبيره أنّه استجاب الصلاة ولم يرفض الطلبة، ولكنّه يَرى في تدبيره أن يؤجِّل زمان التنفيذ، لحكمة يجهلها الإنسان، فينتاب الإنسان نوعٌ من اليأس لعدم تحقيق أمنيته، ويفتكِر في نفسه أنّ الربّ لم يستجِب لطلبِهِ وصَدّ صلاته، فيكفّ عن الصلاة إذ قد تجاوز الوقت زمن التحقيق، وتموت الرغبة أو تنحَبِس داخل الإنسان. وإذ يجيء زمن التحقيق على غير توقُّع، يتكدّر فرح الإنسان بالشكّ وعدم التصديق، إذ يكون كفاقد الأمل، فلا يحصل على كمال الفرح رغم تحقيق الوعد، وذلك لأنّه يكون قد كَفّ عن الصلاة، وفترَ في لجاجة الطلب، ودخل في ضباب أقرب ما يكون إلى اليأس..
ولكن مغبوطة هي النفس التي تتمسّك بالصلاة، فلا تكُفّ عنها. ومهما طال الزمن، فهي تثِق أنّه قال ووعَدَ، وأنه سيَفي بوعدِه حتى لو طالت السنوات، وحتى لو قيل من آخرين أنّه لا رجاء.
هكذا كان إبراهيم.. إذ لم يشُكّ في وعد الله، وحسبَ أنّ الذي وَعَدَ قادر أن يُكمِل.. فلمّا جاء زمان التحقيق امتلأ بالفرح والشكر الذي لا يشوبُهُ كَدَر.
💠
علامة الختان صارت في حياة إبراهيم ختمًا لبِرّ الإيمان.. إذ عاش حياة الإيمان وعبَرَ فيها مُتدرِّجًا من مجد إلى مجد. أخيرًا صار له هذا النصيب الفاخر، إذ خَتَمَ الله على هذا الإيمان بخاتم البر، لسفك دمِ العهدِ الذي هو رمز لختان المسيح بخلع جسم خطايا البشريّة.
وها إبراهيم يورِّث ثَمرة حياة الإيمان هذه مختومة بخاتم العهد لإسحق، وهو ابن ثمانية أيام حسب أمر الله، فصار إسحق وهو بعد ابن ثمانية أيّام حاصِلاً على عهد الحياة بالله، مختونًا في لحم بشريّته، كعلامة لا تزول، وكعهد بالدم.
فإن كان عَهد الختان يحصُل عليه المولود ابن ثمانية أيّام، فكيف يُنكِر البعض على الأطفال حديثي الولادة حصولهم على نعمة المعموديّة المقدّسة؟ إنّ هبات الله هي بلا ندامة، وعطاياه تُعطَى للأطفال الصغار بالأكثر «أَحْمَدُكَ أَيُّهَا ٱلْأب رَبُّ ٱلسَّمَاءِ وَٱلْأَرْضِ، لِأَنَّكَ أَخْفَيْتَ هَذِهِ عَنِ ٱلْحُكَمَاءِ وَٱلْفُهَمَاءِ وَأَعْلَنْتَهَا لِلْأَطْفَالِ» (مت11: 25).
+ «وَقَالَتْ سَارَةُ قَدْ صَنَعَ إِلَيَّ ٱللهُ ضِحْكًا. كُلُّ مَنْ يَسْمَعُ يَضْحَكُ لِي»..
إلهنا إله المستحيلات دائمًا، قادِر على كلّ شيء ولا يعسُر عليه أمر، وأعمال الله من فَرط إعجازها، ينعقِد لسان البَشَر إذا ما تأمّلها. فأنت تقرأ في الأناجيل عن انفعالات البشَر إزاء ما صنع الرب يسوع من آيات وعجائب، كيف أنّه، «بُهِتَ الْجَمِيعُ»، أو «وَقَعَتْ دَهْشَةٌ عَلَى الْجَمِيعِ»، أو تعجّب الجميع «قَائِلِينَ مَا رَأَيْنَا مِثْلَ هذَا قَطُّ!» (مر2: 12، لو4: 36). وهكذا أعمال الله المتعجَّب مِنه في المجد في كلّ ما يَصنع..
فكلّ مَن يَسمع عن سارّة، المتقدّمة في أيام كثيرة، وزوجها قد شاخ، وكلّ مَن ينظُر إلى هذا المستودَع المحسوب أنّه مُمَات كيف تخرُج منه الحياة؟ يندهش وينذهل عقله من فرط الدهشة، وبحسب تعبير أمّنا سارّة، يضحَك لها.. دهشةً وعجبًا، ويمجِّد الله صانع العجائب وحدَه.
(يُتَّبَع)
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق
اكتب تعليقك اذا كان لديك أى تسائل عن الموضوع وسنجيبك فور مشاهده تعليقك