لاشك أن المسيحية لا تدعو إلى الانعزال عن المجتمع بل تؤكد لنا دورنا فيه وليس الانسحاب منه . وهذا واضح للغاية من كلمات السيد المسيح فى يوحنا 17 والذى يضع 3أبعاد لعلاقة المسيحى بالعالم ( أى بالمجتمع ) :
لستم من العالم
قال الرب عن تلاميذه "لأنهم ليسوا من العالم كما أنى لست من العالم (يو14:17) فماذا يقصد بذلك ؟ يقصد أن المسيحى له منهج مختلف عن من حوله وملامح سلوكية متميزة وفلسفة حياة أخرى بمعنى أنه
يتطلع إلى الخلود الأبدى
يهتم بالخلاص من الخطية
يجاهد فى أن يكون هيكلا لروح الله
ينفذ وصايا السيد المسيح بفرح وأمانة :كوصية المحبة وحتى محبة الأعداء ووصية القداسة ووصية الصفح أو على الأقل العتاب .... الخ
لست أسأل أن تأخذهم من العالم
قال الرب بعد الاية السابقة عن تلاميذه : "لست أسألأن تأخذهم من العالم بل أن تحفظهم من الشرير . ليسوا من العالم كما أنى أنا لست من العالم . قدسهم فى حقك . كلامك هو حق ( يو 15:17_17) .
وفى هذة العبارات يؤكد الرب على الحقائق التالية
نحن لسنا من العالم فكرا ومنهجا ورؤية وسلوكا
ليس معنى هذا نترك العالم فالذين هم مدعوون للرهبنة _ وهم قلة قليلة _يجب أن يكونوا قد نجحوا فى حياتهم العامة دراسة وعملا وسلوكا .. قبل أن نقبلهم فى الأديرة أما المؤمن العادى _ وهم الأكثرية _فهو مدعو للبقاء فى العالم حيث أن له رسالة يجب أن يؤديها نحو إخوته فى البشرية كما سيتضح من النقطة التالية
وهو لهذا يقدس نفسه _بنعمة الروح القدس ؟_ بالجهاد الأمين _والشركة الحية مع الله وسكنى المسيح فى قلبه لكى يكون صالحا لأداء هذة الرسالة .
كما أرسلتنى إلى العالم أرسلتهم أنا إلى العالم
وهذا بيت القصيد كما ورد فى الاية 16 من نفس الاصحاح (يوحنا 17) .. هناك _إذن _ إرسالية من الله وتكليف إلهى لنا أن نحيا فى العالم ونسلك بالمحبة وننشر الخير لنقدم صورة المسيح الساكن فينا للعالم المحتاج إليه ! ومن خلال هذة العلاقة بالعالم ذات الأبعاد الثلاثية يكون سلوك المسيحى فى المجتمع فاعلا ومتفاعلا لا ينسحب ولا يهرب ولا يعادى العصر ولا يستسلم للخطيئة والخطأ بل حتى لا يستسلم لدوافع رفض الأعداء فعنده وصية محبة الأعداء (مت 44:5) ووصية حسب طاقتكم سالموا جميع الناس ( رو 18:12) ومن خلالها يتحدد الموقف المسيحى ذو الركيزتين : المحبة والسلام .. نضيف إليهما نشر الخير كما فى قولة : لنعمل الخير للجميع ( غل 10:6) ... فمع أنه يضيف" ولا سيما لأهل الإيمان " ... إلا أنه يقصد الإهتمام بالأسرة والأخوة فى الإيمان كمسئولين عنهم ... دون أن يقصر ذلك عليهم بل يطلب منا أن نصنع الخير للجميع .
تشبيهات للمسيحى
عندما أراد الإنجيل أن يرسم صورة للمسيحى فى المجتمع شبهه بعدة تشبيهات نذكر منها
النور أنتم نور العالم (مت 14:5)..... ويقصد بها الانتشار المفرح وهزيمة تيارات الظلمة والخطيئة
الملح أنتم ملح الأرض (مت 13:5) ويقصد بها
الذوبان بدون الضياع
إعطاء طعم ونكهة طيبه للعالم
إعطاء حياة للعالم بالرب الساكن فينا
النقاء والطهارة (اللون الأبيض للملح )
الخميرة خميرة صغيرة تخمر العجين كله ( غل 9:5) ويقصد بها الحيوية المنتشرة فالخميربة _ بعكس العجين _تحتوى على بكتريا حية لذلك فحينما توضع فى العجين تتكاثر البكتريا ويختمر العجين كله
كذلك المسيحى المؤمن فية حياة المسيح التى سرعان ما ينتشر مفعولها فى المحيط الذى يحيا فيه لكى يروا أعمالكم الحسنة ويمجدوا أباكم الذى فى السماوات (مت 16:5)
السفير نسعى كسفراء عن المسيح كأن الله يعظ بنا . نطلب عن المسيح :تصالحوا مع الله (2كو 20:5)
ونقصد بذلك أنه كما أن السفير غريب عن البلد الذى يعيش فيه ولكنه يمثل بلده الأصلى إذ يقدم نموذجا طيبا لبلده الأصلى كذلك المؤمن غريب عن العالم بأإهدافه المقدسة وسلوكياته الطيبة ولكنه يقدم نموذجا عن الوطن السمائى الذى ينتمى أليه
الرسالة أنتم رسالتنا مكتوبة فى قلوبنا معروفة ومقروءة من جميع الناس (2كو 2:3) ... ومعناه أن من يتعامل معنا إذ يرانا نسلك بوصية المسيح وروح الإنجيل سيقرأ فى حياتنا سطورا من هذة الوصية ومن هذا الإنجيل ...مثلا عندما نصفح أو نحب أو نخدم ..يرى أن هذه كلها وصايا مسيحنا الساكن فينا
الرائحة الذكية لأننا رائحة المسيح الذكية (2كو 15:2) .... أى أن السلوك المسيحى فى المجتمع سيحس به الناس رائحة ذكية وأريجا عطرا ...فيتمجد اسم الله فى حياتنا
أدوار للمسيحى فى المجتمع
ونقصد بها التفاعل الاجتماعى والنشاط الإيجابى وعدم الانسحاب من الأنشطة العامة فى المجتمع مثل
أداء الواجب الأنتخابى ...بدافع وطنى يهدف إلى بناء الوطن واختيار المرشح الصالح بغض النظر عن الدين أو الحزب
الاشتراك الفعال فى الأحزاب السياسية ...فمع أن الكنيسة لا تشتغل بالسياسة إلا أنها تشجع أولادها على أداء دورهم الوطنى فى المجتمع
الاشتراك فى النقابات المهنية بإيجابية وتقديم نموذج طيب للنقابى الإيجابى والموضوعى الذى يخدم مهنته ومواطنيه
الاشتراك فى اتحادات الطلاب وعدم الانسحاب فيها لكى تكون فاعلة ومفيدة للمجتمع الطلابى إذ تقدم خدمتها للجميع بمحبة إيجابية
العمل فى الجمعيات ومؤسسات المجتمع المدنى ... وها هو يتنامى فى مصر بطريقة طيبة
إجمالا ... أن يكون المسيحى مواطنا صالحا يسلك بالانتماء للوطن وليس للطائفة ... فالانتماء الطائفى يفرق وأحيانا يمزق الوطن ...أما الانتماء الوطنى فيجمع ويوجد الكل فى محبة مصرنا العزيزة والغالية
التى تحتاج إلى موطنين صالحين يرفعون شعار المواطنة التى فيها يتساوى الجميع فى الحقوق والواجبات
إن الجيل الرقمى لديه وسائل كثيرة للتفاعل الإجتماعى ومن خلال إمكانيات الإنترنت والتكنولوجيا ومواقع الفيس بوك وغيرها ...المهم أن يستثمرها حسنا لبناء الجماعة الوطنية فى محبة ووحدة وتالف
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق
اكتب تعليقك اذا كان لديك أى تسائل عن الموضوع وسنجيبك فور مشاهده تعليقك