2020/07/21

أبا شينوتي (شنوده) الكبير الأتريبي

 كان رئيساَ للدير الأبيض غرب مدينة سوهاج (الواقعة غرب النيل قبالة مدينة أخميم شرق النيل في صعيد مصر) ، منذ منتصف ثمانينات القرن الرابع الميلادي (حوالي ٣٨٥م، انظر [2]، صفحة ٧) ، حتى وفاته في عام ٤٦٥م (أي عاش  ١١٨ سنة ، منهم نحو ٨٠ عاماً قضاها في رئاسة الرهبنة). وغالبًا ما يُشار إلى هذا الزعيم الرهباني المبكر والمؤلف القبطي البارز باسم "العظيم" ، و "الأرشمندريت" (وتعني رئيس دير) (Archimandrite, ἀρχιμανδρίτης) ، وقد ورد لقبه هذا عندما ذكره البابا كيرلس رئيس أساقفة الإسكندرية الرابع والعشرون في العدد (الأسقفية ٤١٢-٤٤٤م ) في كتاباته .

ويمكن تأكيد عمره المديد هذا من كتاباته ، إذ قال عن نفسه "قد أعطاني الله عمر موسى" ، ومن كتابات خلفائه المباشرين في رئاسة الأديرة ، أبا ويصا (†٤٧٤م)  و أبا زنوبيوس († ٥٠٠م) ، ومن نقش جداري في الدير الأبيض يعود إلى القرن الثاني عشر أو الثالث عشر الميلادي (انظر[2]، صفحة ١٢).

وقد قاد آبا شنوده تجمعاً رهبانياً ضخماً ضم نحو٢٢٠٠ راهب في الدير الأبيض (ديرأبا شنوده) وجاره القريب الدير الأحمر (ديرأبا بشاى وأبا بيجول)، ونحو ١٨٠٠ راهبة في دير خاص بهن ضمن أطلال معبد مصري من العصر البطلمي في أدريبه علي مقربة من الديرين (وأدريبه/أتريب هي غير مدينة أتريب بالقليوبية في شمال مصر) ، كما أخبرنا بذلك أبا ويصا تلميذه وخليفته في رئاسة الأديرة (†٤٧٤م). [3] وقد إكتشف مؤخراً أطلال ديرالنساء هذا وكذا إكتشفت مقبرة أبا شنودة في الديرالأبيض مؤخراً.

وأبا شنوده الأتريبي (٣٤٧-†٤٦٥م) يُعتبر أهم شخصية تمثل رهبنة الشركة (اي الرهبنة المجتمعية المهيكلة) في مصربعد مؤسس نظام رهبنة الشركة أبا باخوم الملقب ”أب الشركة“ (٢٩٢-†٣٤٨م) ، بل إن آبا شنوده هو أعظم شخصية في العصر القبطي بأسره ، وهو بالتأكيد أهم كاتب قبطي. وشنوده واحد من أعظم القديسين الأقباط ، وأحد ثلاثة رهبان مصريين عظماء إلى جوار أنطونيوس (٢٥١-†٣٥٦م) وباخوميوس (٢٩٢-†٣٤٨م) ، لدورهم في بناء الرهبنة المصرية ، ولكنه غير معروف خارج التقليد القبطي ، إلا بين الدارسين المتخصصين ، وذلك كونه قد عاصر إنقسام المجمع المسكوني الرابع المنعقد في خلقيدونية (٤٥١م) ، وإنحاز إلى الجانب السكندري من الخلاف الرافض لقرارات المجمع ، وهذا على النقيض من شهرة أبا أنطونيوس وأبا باخوم الذان عاشا قبل المجمع بقرن من الزمان، ويعتبران الأبوان الروحيان للرهبنة في العالم بأسره.

وهكذا ظل شنوده غير معروف في الغرب حتى أواخر القرن السابع عشر الميلادي، عندما بدأت مخطوطات مكتبة الدير الأبيض تتوافد على جامعات ومكتبات ومتاحف أوروبا، وهنا بدأ شنوده يظهر بشكل تدريجي كشخصية تاريخية مهمة تقدم كتاباته لمحات لا تقدر بثمن عن تاريخ تطور الرهبنة المصرية خلال جيليها الثاني والثالث ، بالإضافة إلى معلومات حول المسيحية خلال الفترة التي أصبحت فيها الدين المعتمد من الدولة ، والسائد في مصر وسائر أرجاء الإمبراطورية الرومانية. ومجموعة الكتابات الأدبية التي وصلتنا من شنوده وخلفائه ويصا (†٤٧٤م) وزنوبيوس خليفتهما († ٥٠٠م) تشكل أكبر أثر و دليل من أدلة الرهبنة المسيحية المبكرة ، خاصة أن هذه الوثائق ليست سير أسطورية ، بل هي مراسلات وخطب وأطروحات وقواعد رهبانية كتبت في وقت متزامن للأحداث التي يصفونها.

وتاريخ إنشاء اتحاد الأديرة الشنوديه (الديرالأبيض والديرالأحمر وديرالراهبات في أدريبة) يستند إلى كتابات شنوده وخلفائه المباشرين ، والي مدونة وقائع تاريخ قبطية أقل شهرة تعود الي العصور الوسطى (تدعى شظية نابولي أو "نبذة نابولي" حيث أنها الآن في المكتبة الوطنية Biblioteca Nazionale في نابولي) ، بالإضافة الي مصادر قبطية أخري من العصور الوسطى.

ولكن داخل مصر، فأبا شنوده قديس شهير تعيد الكنيسة القبطية بعيد نياحته (وفاته) في يوم ٧ أبيب (الذي يوافق الآن ١٤ يوليو). ويتوافد في شهر يوليو من كل عام أكثر من عشرة آلاف زائر على الدير الأبيض ، للاحتفال بعيده. هذا الإحتفال (أو المولد كما يعرف في مصر) هو واحد من أكبر الاحتفالات المسيحية في البلاد ، وفي أزمنة سابقة ، كان "مولد الأنبا شنودة" يدوم شهراً ، و يصل عدد حضوره نحو المليون إنسان.


شينوتي (شنوده - ⲥⲉⲛⲟⲩⲑⲓⲟⲩ - Σενούθ̣ου) إسم قبطي يعني "ابن الله" (إبن الإله). وللإسم عدة صورهجائية وصوتية مختلفة حسب اللهجات القبطية ومنها سينوت، سينوتي، سينوتيوس(صورة يونانية للإسم)، شنتي، شندي، شانوتي، شانودي، وشنودة. في اللغة القبطية بلهجتها البحيرية يطلق عليه اسم Ⲁⲃⲃⲁ Ϣⲉⲛⲟⲩϯ ⲡⲓⲁⲣⲭⲓⲙⲁⲛⲇⲣⲓⲧⲏⲥ . أما في المخطوطات القبطية  بلهجتها الصعيدية، فتهجئته ⲥⲉⲛⲟⲩⲑⲓⲟⲩ (سينوتيو) ، أو ⲥⲉⲛⲟⲩⲑⲩ (سينوتي) [هنا الحرفين الأخيرين ⲑⲩ هما اختصار ⲑⲓⲟⲩ أو ⲑⲉⲟⲩ]. ولهذا ، فالمخطوطات العربية التي أخذت عن القبطية الصعيدية تنشر اسمه على أنه سينوتيو، أو سينوتيوس ، و يختصرها الأقباط إلى سينوت. ويظهر اسمه مكتوبًا ⲥⲉⲛⲟⲩⲑⲓⲟⲩ على ايقونته  الفريسك – التى ترجع للقرن السادس الميلادى –  في الدير الأحمر في سوهاج (أنظر الشكل ).

ولد آبا شنوده في قرية ”شندالات“ (شنالولات - Shenalolet - ”تكعيبة العنب“) قرب مدينة أخميم (بانوبوليس) في عام ٣٤٧م أو ٣٤٨م (أي في سنة وفاة  القديس باخوم الكبير مؤسس رهبنة الشركة - وتاريخ ميلاده ٣٤٨م غالباً ما يتم ذكره في المصادر المختلفة ويرتكز علي نقش في الدير الأبيض يعود إلى القرن الثاني عشر أو الثالث عشر الميلادي، انظر[2]، صفحة ١٢).

كان والد شنوده مزارعًا وكان يمتلك أيضًا قطيع صغير من الأغنام كان يوظف له راعيًا. هذا الراعي طلب من الوالد مساعدة الصبي شنودة في رعاية الخراف مقابل خصم من أجره. وتذكر سيرة شنوده أن الصبي  كان يُلازم الرعاة طيلة النهار ويعطيهم طعامه بدلاً من أن يأكله ، وعند غروب الشمس بدلاً من أن يعود لأبويه مباشرة، كان يقف إلى جانب بئر يصلي حتى ساعة متأخرة من الليل. وتذكر سيرته أنه ظهرت العلامات المبكرة لنسكه الروحي عندما أبصره ذلك الراعي في إحدى ليالي الشتاء الباردة ، رافع يديه في الصلاة في بئر، وأصابعه تشبه عشرة شموع مضيئة (كما ورد في سيرته بالقبطية البحيرية والتي أخذت عنها سيرته العربية).

وفي سن التاسعة (٣٥٧م)، إذ علم والده بنسكه ، إستصحبه إلى خاله أبا بيجول (Pcol) مؤسس ورئيس الدير الأبيض ، ولما وصل الاثنان إلى الدير قال والد شنوده لبيجول: "بارك يا أبي هذا الصبي"، ولكن أبا بيجول أخذ يد شنوده ووضعها على رأسه قائلاً: "أنا الذي يجب أن ينال البركة من هذا الصبي لأنه إناء مختار للسيد المسيح، الذي سيخدمه بأمانة كل أيام حياته". ووفقا لسيرة أبا شنوده ، فإنه بعد أن جاءت رؤية لخاله بيجول، سمح لشنوده بالحياة في الدير. وفي أيام بيجول ، كان الدير الأبيض دير صغير يضم ثلاثين راهبًا مسن.

وقد أسس بيجول ديره على النظام الباخومي وفق نظام رهبنة الشركة الذي وضعه القديس باخوم الكبير(ولد عام ٢٩٢م ـ توفي عام ٣٤٨م بالطاعون في اكبر اديرته في فاو قبلي، دشنا، قنا)، حيث كان بيجول اولاً راهباَ باخومياَ. لكن بيجول وضع نظاماَ أكثر تقشفاَ وصرامة، جعل أتباعه عددًا قليلاً، وشجع على الانخفاض بدلاً من النمو. وبعد  نحو ثلاثين عاماً (٣٨٥/ ٣٨٧م)، عندما تولى شنوده رئاسة الدير، نفذ نظاماَ أقل  تقشفاَ وصرامة وأكثر شمولية وأكثر ملاءمة للمكان وخلفية الشعب. وهكذا نما هذا الديرالصغير بشكل عظيم في عهد أبا شنودة وخلفائه ، واستمرت رهبنته مزدهرة حتي القرن الخامس عشر الميلادي. ولكن قاعدة رهبنة الدير الأبيض ، التي رسمها شنوده ، كانت أكثر صرامة من قواعد مؤسس رهبنة الشركة باخوميوس الكبير.

وكثيرا ما إفتُرَضَ أن آبا شنوده هو الخلف المباشر لمؤسس الدير الأبيض أبا بيجول. ولكن إعادة هيكلة النصوص الأدبية لشنودة تدل علي أن بيجول مات حوالي ٣٧٥م، وخلفه أب آخر يدعي إبونه (Ebonh)، ولكن أزمة روحية خلال فترة رئاسة إبونه للدير الأبيض، مكنت شنوده من أن يصبح شخصية بارزة ، وأن يخلف إبونه الذي عُزِلَ من رئاسة الدير.(انظر [2]، صفحة ٥٥٨ - ٥٦٤). وقد حضر آبا شنوده المجمع المسكوني الثالث في أفسس عام ٤٣١م  (انظر[2]، صفحة ٨) إلى جانب كيرلس رئيس أساقفة الإسكندرية (الأسقفية ٤١٢-٤٤٤م ) وكان قد دُعِيَ هذا المجمع لمواجهة بدعة نسطور رئيس أساقفة القسطنطينية (الأسقفية  ٤٢٨-٤٣١م). وفي عام ٤٣٥م ، بعد مجمع أفسس بأربعة أعوام ، نفي الأمبراطور ثيؤدوسيوس الثاني نسطور إلى أخميم  ، الفناء الخلفي لشنوده، حيث بقي حتى مات في منفاه في ٤٥٠م.

وقد عُرِفَ أبا شنوده أيضاً بإسم رئيس المتوحدين ، لأنه كان يمارس حياة الرهبنة التوحدية في مغارة خارج الدير،  من حين إلي آخر. وقد شجع بعض رهبانه علي الانسحاب إلي البرية بعد سنوات قليلة من ممارستهم حياة الشركة ، دون قطع علاقتهم بالدير تمامًا. وبينما رأي القديس باخوميوس في "الشركة" ذُروة السموّ الرهباني، رأي شنوده في "الشركة" مرحلة انتقالية تُعد النفوس لحياة المتوحدين الأكثر نسكًا.

وقيل أنه لم يقبل بأجنبي ليلتحق بجماعاته الرهبانية ، بل كان جميع رهبانه من المصريين ، ولكن ليس ثمة دليل تاريخي على هذا.

وكان لنظام شنوده الرهباني مكون غير عادي ، عبارة عن ميثاق (diatheke) يتم تلاوته والاتزام به حرفياً من قبل المبتدئين الجدد ، يقرأ على النحو التالي:

”أتعهد أمام الله في موضعه المقدس ، والكلمة التي تكلمت بها من فمي تكون شاهدي ؛ انني لن انجِّس جسدي بأي شكل من الأشكال ، ولن أسرق ، ولن أكون شاهد زور ، ولن أكذب ، ولن أفعل أي شيء خادع سرا. وإذا تجاوزت ما تعهدت به، فسأرى ملكوت السموات، ولكنني لن أدخله. والله الذي صنعت أمامه هذا العهد سيدمر روحي وجسدي في نار الجحيم لأنني تجاوزت العهد الذي قطعته.“

كذلك عُرِفَ عن أنبا شنوده أنه كان مقاومًا للظلم ونصيرًا للفقراء ضد استغلال مُلَّاك الأراضي الإقطاعيين (وأغلبهم من اليونانيين) وتسلطهم على المزارعين المصريين الفقراء.

مكانة أبا شنودة في الأدب القبطي:

يحتل آبا شنودة (٣٤٧-†٤٦٥م / ٣٤٨-†٤٦٦م) موقع الصدارة في تراث الأدبي القبطي (الأدب المؤلف باللغة القبطية)، حيث يعتبر أهم من كتب بالقبطية، ليس فقط من حيث غزارة الإنتاج وإنما كذلك من حيث تنوعه وعمقه وتميزه. فآبا شنودة هو أول من ألف ”أدب“ بالقبطية، وقبله كانت اللغة القبطية لغة تخاطب وكتابات وثائقية وخطابات ، وأما الكتابات الأدبية فكان حكراً علي اللغة اليونانية لغة الأدب في سائر شرق المتوسط لقرون خلت(منذ فتوحات الإسكندر الاكبر ٣٣٠ ق م). وكتب شنوده أغلب مؤلفاته بالقبطية الصعيدية والقليل منها باليونانية. وتتميز كتابات ولغة شنودة القبطية، وخليفته ويصا، وخليفتهم زنوبيوس، ببلاغتها وفصاحتها ودقتها.

وقد ترك لنا آبا شنودة مجموعة كبيرة وغيرعادية من الكتابات والأعمال الأدبية المجمعة في سبعة عشر مجلد (أو أكثر) منها تسع مجلدات من ”القوانين“، تحتوي على خطاباته، وخطبه، ووثائق أخرى للرهبان. وعلى الرغم من أن عديد من نسخ هذه المجموعة الرائعة من الأدب القبطي قد بقيت في مكتبة دير أبا شنودة (الدير الأبيض) حتى العصور الوسطى ، إلا أنها وصلت إلينا في العصر الحديث في حالة يرثى لها ، وأضحت مثلها مثل بقايا العديد من الكتب الأخرى للدير تنتشر بين أكثر من ٣٠ متحف ومكتبة ومجموعات خاصة في ثلاث قارات. وخلال قرنين من العمل بين هذه البقايا ، حدد علماء القبطيات نحو 4350 صفحة من حوالي مائة مخطوطة مصنوعة من رقوق البرشمان تحوي كتابات شنودة. وبدأ مشروع تم إطلاقه رسميًا في عام 2000 لنشر نسخة كاملة من هذه الكتابات. من البقايا المجزأة ولكن الواسعة النطاق لهذه المجموعة، أصبح من الممكن استعادة معلومات رائعة عن السيرة الذاتية لآبا شنودة ، وكذلك إكتساب نظرة ثاقبة على تفكيره وقيادته. وتعد كتاباته منجم من المعلومات ليس فقط عن الحياة الداخلية والانضباط لمؤسسة شنودة الرهبانية ، ولكن أيضًا فيما يتعلق بالظروف الدينية وغيرها من الظروف المجتمعية في المنطقة المحيطة بالعاصمة المحلية القريبة ،  بانوبوليس (التي تسمى الآن أخميم) . [5]

وما يجعل شنودة شخصية غير اعتيادية هو اننا لا نعرف شخص اخر كمثل شنودة انتج مجموعة كبيرة من النصوص الأدبية الأصلية مباشرة باللغة القبطية، وقد حقق شنودة إنجازه هذا في وقت بالكاد يكون فيه اَي مؤلفات يتم تأليفها بالقبطية، وذلك خلال الفترة من نهاية القرن الرابع وحتي منتصف القرن الخامس. وبمعني اخر فانه الوحيد الذي كتب بالقبطية في الفترة من وفاة اثناسيوس العظيم رئيس أساقفة الاسكندرية في ٣٧٣م وحتي انتخاب تيماثوس الثاني ايلوروس (القط) كرئيس لأساقفة الاسكندرية في ٤٥٧م بعد عدة سنوات من مجمع خلقيدونية في ٤٥١م ووفاة رئيس الأساقفة ديوسقوروس في المنفي في ٤٥٤م بعد ان عزله المجمع. ربما كان هناك أشخاص اخرين مثل آبا شنودة في زمانه، او في الأربع او خمس قرون التي تلت، ولكن ان صح ذلك فنحن لا نعرف اَي شيء عنهم، او نعرف عنهم النذر اليسير علي أفضل الأحوال، وهذا النذر اليسير مؤشر علي انه غير محتمل ان اَي كاتب قبطي اخر نعرفه كتب أدب قبطي اصلي يقترب من بعيد من مثال آبا شنودة. [5]

ان مكانة آبا شنودة غير الاعتيادية في الحقل المحدود لبانوراما الأدب القبطي يجعله هدف اَي مؤتمر للدراسات القبطية. ولكن في الواقع هناك مناحي متعددة يتميز فيها شنودة وكتاباته الأدبية. فدائمًا ما يبرز بشكل خاص في دراسة كتابات شنوده استخدامه للغة، مع التركيز بشكل خاص على مهارته الخطابية ، والتي ربما صقلها من خلال مزيج من القدرة الطبيعية ، ودرجة ما من تعلم الخطابة الرسمي ، وإلمام عميق بالصياغة المعبرة للغة الكتاب المقدس بترجمته القبطية بأكمله (حيث يظهر في كتابات شنودة الكثير من الاقتباسات من نص الكتاب المقدس باللهجة الصعيدية وحيث تقدم هذه الاقتباسات أدلة قيمة على نص هذه الترجمة). إذا كان شنودة قد حصل على أي قدر من التدريب الخطابي الرسمي ، فمن المفترض أنه حصل عليه في العاصمة المحلية ، بانوبوليس (أخميم) ، وبالتأكيد تم تقديم هذا التدريب باللغة اليونانية ، وهي لغة نعرف أن شنوده كان يتحدثها ويكتب بها - على الرغم من أن لا شك أن لغته الأم كانت قبطية. [5]
من الصعب المبالغة في قيمة لغة شنودة لدراسة اللغة القبطية. فقيمة المجموعة الأدبية الضخمة والمتجانسة التي تركها أبا شنودة مفيدة جداً في الدراسة والبحث في مجال بناء الجملة القبطية و دلالاتها المعجمية. [5]

وكتابات آبا شنوده - كغيرها من النصوص القبطية - تحتوي على الكثير من الألفاظ اليونانية والتي صارت جزءًا من المعجم القبطي، وكان شنودة يجيد اليونانية ويترجم منها إلى القبطية، ولدينا أمثلة من هذه الترجمات.

فكرة أن آبا شنوده تبني اللغة القبطية كلغة ادبية كردة فعل لمجمع خلقيدونية وضد اللغة اليونانية التي ترتبط بكنيسة القسطنطينية هراء، اذ أن أغلب كتابات آبا شنودة تقريباً كانت قبل مجمع خلقيدونية المنعقد في ٤٥١م (تعود للفترة ٣٨٥-٤٥٠م) ، وفي ايّام خلقيدونية لم يتمكن من الذهاب إلى المجمع (مثلما فعل بحضوره مجمع أفسس قبل عشرين عاماً ، في ٤٣١م) ، بسبب ظروف مرضه الأخير الذي أقعده ١٨ عاماً حتي توفي (٤٤٨-٤٦٦م). بل وحتي بعد خلقيدونية ، فإن عهد شنودة مبكّر جداً لتخيل قطيعة مع اللغة اليونانية ويصعب تصور أنه افترض القطيعة النهائية بين الكنائس في هذا الوقت المبكر، بل ان واقع الأمر أنه في الحقيقة حدث توافق بين الأسكندرية والقسطنطينية (٤٨٢-٥١٩) ، وتم تنحية قرارات خلقيدونية من خلال مرسوم الامبراطور زينو المعروف بالهينوتيكون ، ثم نقض الهينوتيكون في ٥١٩م.

ويمكن القول أن الإنقسام الذي بدأ في خلقيدونية قد حدث فعلياً ليس في عام ٤٥١م ، ولكن في منتصف القرن السادس الميلادي في بداية عصر البابا ثيودوسيوس الأول الأسكندري البطريرك القبطي الثالث والثلاثون في العدد (أقام بطريركاً فبراير ٥٣٥ - † يونيو٥٦٦م) ، إذ يمكن القول أنه في عصرهذا البطريرك صار إنقسام خلقدونية متجذرلا رجعة فيه، وبات واضحاً أن الكنيسة المصرية تأخذ طريقاً مستقلاً ، وإنتهت فترة المواءمات اللاهوتية بحثاً عن وضع وسط.  فالإمبراطورالبيزنطي يوستينيانوس الأول (جستينيان الكبير) الذي دام حكمه ثمانية وثلاثين عاماَ (١أغسطس ٥٢٧-† ١٤ نوفمبر٥٦٥م) جعل مذهب خلقيدونية مكون رئيسي في التشريع الإمبراطوري. وكان شديد الإهتمام بالأمور الدينية ، وكان يعقد المجامع الكنسية برئاسته ، ويشترك في المناقشات اللاهوتية، وهو ما تم ترجمته إلي صدام مع الكنيسة غير الخلقيدونية في الشرق. إلا أن الصدام مع كنيسة الأسكندرية لم يبدأ إلا بعد  مرور قرابة عشر سنوات من حكم جستينيان ، في بداية عصر البابا ثيودوسيوس الأول الأسكندري ، وذلك أن الإمبراطور صدق علي  تنصيب ثيودوسيوس بطريركاَ في ٥٣٥م ، ثم ما لبث أن عزله ونفاه في العام  التالي (٥٣٦م) بسبب رفض ثيؤدوسيوس قبول تعريف خلقيدونية عندما طلب منه جستينيان ذلك حين إجتمعا في القسطنطينية في تلك السنة علي هامش مجمع كنسي إنعقد في القسطنطينية ليدين ساويرس الأنطاكي. ثم في ٥٣٨م، عين الأمبراطور جستينيان بطريركاً خلقيدونياً في الأسكندرية ، ليعيد تأسيس البطريركية  الملكانية الخلقيدونية في الأسكندرية (التي كان الأباطرة البيزنطيين قد كفوا عن تعبيين بطاركة لها منذ صدور الهينوتكون في ٤٨٢م). ومن ذلك الحين لم تعترف السلطات البيزنطية بأي بطريرك قبطي آخر. وكان البابا ثيودوسيوس هو آخر بطريرك غير خلقيدوني للأسكندرية يعترف به الإمبراطور والملكانيين.  وهذة اللحظة في التاريخ هي التي أدرك فيها الأقباط أن القطيعة مع العالم اليوناني والكنيسة اليونانية القسطنطينية نهائية ولا رجعة فيها.

و آبا شنودة أول من بدأ كتابة نصوص ادبية بالقبطية ، ولكن عثر علي كتابات له يعتقد ان أصلها يوناني ، أي أنه استخدم اللغتين.

دير ابا شنوده - الدير الأبيض:

يقع دير ابا شنوده (الدير الأبيض) في جبل ”تريفوس“ (أدريبه/اتريب) في ”بانوبوليس“(مدينة بان أي اخميم) من أعمال ”نوموس“ (الاقليم الذي عاصمته اخميم).

رؤساء الدير الأبيض:

الأرشيمندريت آبا شنوده Ⲁⲃⲃⲁ Ϣⲉⲛⲟⲩϯ ⲡⲓⲁⲣⲭⲓⲙⲁⲛⲇⲣⲓⲧⲏⲥ (٣٨٥-†٤٦٦م)

الأرشيمندريت آبا ويصا   Ⲁⲃⲃⲁ ⲃⲏⲥⲁ ⲡⲓⲁⲣⲭⲓⲙⲁⲛⲇⲣⲓⲧⲏⲥ  (٤٦٦ - †٤٧٤م)

الأرشيمندريت آبا زنوبيوس Ⲁⲃⲃⲁ ⲍⲉⲛⲟⲃⲓⲟⲥ ⲡⲓⲁⲣⲭⲓⲙⲁⲛⲇⲣⲓⲧⲏⲥ (٤٧٤م - †حوالي ٥٠٠م )

 الأرشيمندريت آبا بطرس Ⲁⲃⲃⲁ ⲡⲉⲧⲣⲟⲥ ⲡⲓⲁⲣⲭⲓⲙⲁⲛⲇⲣⲓⲧⲏⲥ (٥٦٧م )

في وصيته الخاصة (٥٦٧م ) يحدد شخص يدعى ”فيلافيوس ثيؤدوروس“ دير ابا شنوده كأحد الأماكن التي لها نصيب في تركته الخاصة والتي قسمها إلى ثلاثة انصبة. ويذكر ضمن ما يذكر بعض المعلومات الهامة عن موقع دير ابا شنوده (الديرالأبيض كما عُرِفَ فيما بعد في القرون الوسطى) ، كما يذكر اسم الأرشيمندريت المعاصر له (بطرس) وهو احد خلفاء شنوده القربين - إلى حد ما - من عصره حيث تعود هذه البردية إلى  ٥٦٧م  وهي بالطبع من المصادر الهامة والمبكرة. [المصدر: مايكل حلمي]

βούλομαι καὶ κελεύω τὸ̣ δ̣[ίκαιον τοῦ] εὐαγοῦ̣[ς μον]α̣στηρίο(υ) καλο(υ)μένο(υ)Ἄπα Σεν[ού]θ̣[ου], κ̣[ει]μ̣έ̣[νο(υ)] ἐ̣[ν τῷ ὄρει Τρι]φί̣ο̣(υ) τοῦ Πανοπολίτου νομο(ῦ), διὰ Π̣έτρ[ου τοῦ θεοφιλεστάτ]ο(υ) ἀρχιμανδρί̣το\υ
[P. Cairo Masp. 3, 67312 (38- 40)]

ارغب واوصي بنصيب للدير الطاهر المدعو بالأنبا شنوده الواقع في جبل تريفوس (اتريب) في بانوبوليس(اخميم) من أعمال نوموس (الاقليم الذي عاصمته اخميم) لأجل بطرس الأرشي مندريت الأحب إلى الله .

نص البردية بالكامل ها هنا:

 http://papyri.info/ddbdp/p.cair.masp;3;67312?fbclid=IwAR16Mw4WH-uL2ARQnJ0xhiF_K2YtS4IzP2h1uwsUcTQi_IKiPPReiUE9jbA

المراجع:

[1]  ”سلسلة النصوص المسيحية في العصور الأولي - الأنبا شنوده رئيس المتوحدين (سيرته – عظاته – قوانينه)“ ، الجزء الأول ترجمة وتقديم دكتور صموئيل القس قزمان ، الناشر دار باناريون للنشر والتوزيع ، الطبعة الأولي ديسمبر ٢٠٠٩م

[2] Emmel, Stephen. Shenoute’s Literary Corpus. 2 vols. Corpus Scriptorum Christianorum Orientalium, vols. 599–600 (Subsidia, vols. 111–112). Leuven: Peeters, 2004. [With an extensive bibliography on Shenoute up to 2004.]

[3]  الأرشيمندريت آبا ويصا ⲁⲃⲃⲁ ⲃⲏⲥⲁ (توفي٤٧٤م) هو تلميذ الأنبا شنودة وخلفه في رئاسة الأديرة ووطبقاَ للتقليد القبطي كاتب سيرته ، وترك العديد من الكتابات التي وصلتنا. عن البعد الاجتماعي في تراث الأدب القبطي يكتب الأنبا ويصا مُحَذِّرًا كل مسؤول من ”الواسطة“ و”المحسوبية“: تَيَقَّظْ ألا تجعل أحدًا يُفَضَّلُ على أحدٍ، لئلا تجد البعضَ ينالون راحتهم لأن لديهم ”واسطة“، وتجد بعضًا يمشون بانكسارٍ ووجعٍ، لأنهم ليس لديهم ”واسطة“. من أجل هذا، فهي خطيئة كُبْرَى في مكانٍ كهذا أن يُحَابَى البعضُ ويُغْفَل عن البعض ولا يُكْتَرَث لهم مطلقًا. لكن لتَكُنْ بينهم مساواة، كلهم معًا، لكي يكون لهم جميعًا راحة، ويخدمون اللهَ بطِيب خاطرٍ، بلا لوم ولا محاباة. (ترجمة صموئيل معوض)

[4] عظة للأرشيمندريت آبا شنوده: ”مَن الشخص الذي سيقول“ - النص القبطي الصعيدي مع ترجمة ألمانية:

Samuel Moawad,  Schenute von Atripe: Welcher Mensch kann sagen. Kritische Edition und Übersetzung. In: A. Blöbaum, M. Eaton-Krauss, A. Wüthrich (eds.), Pérégrinations avec Erhart Graefe. Festschrift zu seinem 75. Geburtstag (Ägypten und Altes Testament 87). Münster: Zaphon, 2018, 341–364).

[5]  Stephen Emmel, "Shenoute the Archimandrite: The Extraordinary Scope (and Difficulties) of His Writings," Journal of the Canadian Society for Coptic Studies, 10 (2018) pp. 9–36.

[5] صموئيل معوض، شنوده الأتريبي: عظة بدون عنوان CPC 837) A19) مجلة جمعية الآثار القبطية 55 (2016):

Samuel Moawad, Schenute von Atripe: Akephales Werk A19 (CPC 837). Bulletin de la Société d’archéologie copte 55 (2016), 49–62.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

اكتب تعليقك اذا كان لديك أى تسائل عن الموضوع وسنجيبك فور مشاهده تعليقك

إعلان1
إعلان2
إعلان3