بعد انتقال البابا المرقسى الحادى والأربعين إلى السماء، انشغلت الكنيسة بانتخاب راهب فاضل قديس،يكون خليفة للبابا الراحل. واتفقت الآراء فى أول الأمر على انتخاب رئيس دير الزجاج(بالقرب من الأسكندرية) وكان اسمة"يؤنس"... وذهب أساقفة الكنيسة إلى الفسطاط بالقاهرة،لكى يخبروا أمير 🤴 البلاد بقرارهم. فلما رأى الوالى عبد العزيز ذلك الراهب ارتاح له لما ظهر على وجه يؤنس من وجاهة وجلال. وبينما كان الأمير يتحدث إلى الأساقفة وإلى من اختاره للخلافة المرقسية حدث شئ لم يكن متوقعا.. إذ وقف أسقف ♝ (كان الوحيد الذى يعلن رأيآ أخر) وقال بلا تردد:"إن الراهب اللائق لهذه الكرامة هو" سيمون"...
فسأله الأمير:" ومن هو سيمون؟"... فأشار الأسقف إلى راهب جالس بجواره. وهنا قال الباقون:" إن الراهب سيمون سريانى الأصل".. فظهرت الدهشة على وجه أمير 🤴 البلاد، وتسائل:" أليس من الأفضل أن يكون باباكم مصريآ؟ "..
أجابه الأساقفة:"بلى. ذلك أفضل. وقد وقع اختيارنا على يؤنس ،وهو مصرى صميم".
وهنا نظر عبد العزيز فى الراهب "سيمون" ،يريد أن يسأله:"وما رأيك أنت الآن بعد هذا الاجماع؟"... وفهم الراهب سيمون معنى هذه النظرة، فقال دون أن ينتظر سؤالا لفظيآ من الأمير :" أن يؤنس هو أبى الروحى ،وهو أولى منى بأن يكون راعيآ أعلى الكنيسة، وأنى أقرر أنه كالملائكة طهرآ،وقد علمنى كل ما أعرفه من العلوم الروحية المسيحية العالية. وإنى تلميذ له، وهذا أمر يسرنى. ويسرنى أن أظل تلميذآ له، فى خدمته، مشمولا ببركته"..
وكان لهذا الرد الوديع الطيب،رد فعل عجيب للغاية:لقد ملأ الجميع إعجابآ بالراهب سيمون التلميذ المخلص المتواضع. وكان الرب قد شاء أن يكون سيمون هو البابا،فحول محبة القلوب نحوه. فقال الأساقفة باتفاق:" إن سيمون بالحقيقة هو مستحق لهذه الكرامة"..
ودهش الأمير لهذا التغيير المفاجئ، وتفرس فى وجوه المجتمعين حوله واحدآ واحدآ،دون أن ينطق بكلمة،لأن الأمر هو أمر كنسى لا يصح اعتراضه فيه. فقال للمجتمعين "أنتم أصحاب الرأى فى هذا الموضوع، ليس لى إلا أن أقر رأيكم الذى تقررونه. فافعلوا ما يحلو فى أعينكم".. وفعلا انتخب التلميذ المتواضع سيمون،ولم ينتخب معلمه ورئيس ديره "يؤنس"....
ولعلك _ياعزيزى _القارئ _ترغب أن نقول كلمة عن ذلك الراهب الوديع الذى اختارته نعمة الرب للكرامة العظمى. كيف جاء إلى مصر؟ وكيف صار راهبآ؟ وما الذى أدخله فى مجلس انتخاب 🗳 البابا؟
وكيف صارت علاقته برئيسه يؤنس بعد هذا الانتخاب؟
لقد ولد هذا القديس فى البلاد السريانية ولكن أبويه حضرآ معه إلى الأسكندرية وقدماه لخدمة الهيكل. والسريان كانوا فى ذلك الوقت يحبون مصر 🇪🇬 ويتعلقون بكنيستها لأن إيمانها أرثوذكسى موافق لإيمانهم ،ولأن قديسهم العظيم "ساويرس اسقف ♝ أنطاكية" كان قد لجأ إلى بلادنا المصرية هربا من بطش الإمبراطور "جستنيان" المخالف لنا فى العقيدة، ولما انتقل البطل البابا ساويروس إلى السماء، صار له قبر فى مصر، يزوره إخوتنا السريان ويتبركون به...
ولما نال "سيمون" رتبة الشماسية، اعتنى به بابا الأسكندرية فى ذلك الزمان عناية كبيرة ،ولما رأى ميله إلى النسك والاستزادة من العلوم الروحية أرسله إلى دير الزجاج حيث قضى بضع سنين حيث استطاع أن يحفظ ويدرس كثيرا من أسفار الكتاب المقدس📖. ثم رسمه بابا ذلك الزمان. كاهنا،وانتخبه الرهبان وكيلا للدير تحت رئاسة"يؤنس" الذى كان مرشحا للبابوية كما علمنا...
فلما جاء مندوب الأساقفة وكبار الشخصيات الكنيسة المحبة للمسيح،ليصحبوا يؤنس رئيسه إلى الفسطاط بقصد تنصيبه خليفة للقديس مرقس،فرح"سيمون" وكيل الدير فرحآ كبيرآ ،ومن محبته لرئيسه سافر معهم ليمتع عينيه برؤية "يؤنس" جالسا على كرسى مارمرقس.
بقى أن نعرف أن الكرامة التى نالها الأنبا سيمون لم تغير من طبعه، فظل وديعا محبا لرئيسه يؤنس،مخلصا له الإخلاص كله. حتى لقد عهد إليه بإدارة الشئون الكنسية ،كما لو كان هو الجالس على عرش مارمرقس. وظل الأنبا سيمون يشعر بالطمأنينة ،واثقا من حسن إدارة معلمه كما ظل يدعوه "أبا" إلى أن انتقل يؤنس إلى السماء. كذلك ظل يؤنس يكرم تلميذه (الذى أصبح باباه) ويخلص فى خدمته طيلة حياته. فكان الأنبا سيمون ويؤنس أبوة الروحى صورة ناطقة بالمحبة المسيحية الحقيقى، التى لا يدخلها حسد ولا يغيرها أى حادث.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق
اكتب تعليقك اذا كان لديك أى تسائل عن الموضوع وسنجيبك فور مشاهده تعليقك