2020/04/17

سبت النور

كلمات روحيّة للحياة


سبت الفرح

-6-

قصة سوسنّة ابنة حلقيا

 تَختِم الكنيسة قصص الخلاص والطلبات التي حَظَتْ بالقبول لدى الله على مدى الأزمنة، والتي كانت عربونًا للتمتع ببركات الخلاص الأبدي الذي صنعه المسيح بصليبه. تَختِم هذه كلّها بقصّة عربون القيامة من الموت التي حصلَتْ عليها سُوسَنّة العفيفة التي عاشَتْ في خوف الله، وأَسلَمت نفسها للموت ظُلمًا، وفَضّلَت أن تموت هكذا بالظلم وشهادة الزور على أن تُسَلِّم نفسها للهوان في الخطايا.
 سوسَنّة لم تَخضع لسلطان الظلمة ولا إلى لحظة واحدة.. شيخان من قُضَاة الشعب بحسب الظاهر موَقّران ومُكرّمان جدًّا مُعلِّمان للناموس، تبدو ظواهرهما مثل الصدّيقين. هما أقرب ما يكون للفرّيسيّين في أيام الرب، بل وللكهنة ورؤساء الكهنة. لبسوا ثِياب التقوى، وكلّ رأس مالهم هو مجد الناس.. أمّا مِن داخل فكانا مملوئين عظام أموات وكلّ نجاسة!! والناس للأسف تَحكُم بظواهِر الأمور.. فقد كان الحَقّ مَخفِيًّا عن الأعين.
 والشيخان -كُلٌّ على حِدة– كانا يُمَثِّلان ليس فقط على الناس، بل كُلُّ واحد على الآخر، كانت نيران شهوات وخطايا نجسة تلعب برأسيهما. في ذات الوقت إذ أَسلَما نفسيهما للشيطان، فالذي لا يتاجر في الروحيّات هو بالضرورة تاجرٌ في الجسدانيّات. فلم يكُن هذان الشيخان من الروح في شيء، لقد حَمَلوا مَظهر رجال الله أمّا هما فكانا خادمَين للشيطان.
 فليرحم الرب كنيسته مِن أمثال هؤلاء..
 + عندما انقلبا راجعَيْن وتقابلا، إذ كشفا أفكارَهما لبعضهما، لم يقُدهما هذا التصرُّف للخِزي والتوبة، أو للحزن على الخطايا المُستَتِرة.. لم يكن الأمر هكذا.. بل كانا كتاجرَيْن يتّجِران في ذات السلعة، فقد استثمرا الشرّ بالأكثر فازداد رصيده لدى كلّ منهما.. بل جمعا عقلَيهما لتدبير خُطَط الشرّ، لقد تحالفا مع الشيطان.
 كَشْفُ الخطايا، إذا نَبَعَ من قلب نادم، يُحوِّل الإنسانَ قدّيسًا. أمّا عندما يَكشِف الأشرار أفكارهم بعضهم لبعض، فإنّ نار الخطايا تزداد اشتعالاً، فيزدادون شَرًّا على شرٍّ. فليُجنِّبْ الله أولاده مصائب الجلوس في مجالس الأشرار، وليحفظْ أولاده من مشوراتهم.
 + بينما كان الشيخان ينسُجان حبائل الشرّ ويُحكِمون الفخّ لسقوط الفريسة، كانت سُوسنّة العفيفة خالية الذهن، فصارت مثل العصفور في فخّ الصيّادين. الشرير يتفكّر على الصدّيق بالشرّ، ولسان حال سوسنة يقول: «أنا مثل خروف راضٍ يُسَاق إلى الذبح».
على غير توقعٍ، وجدَتْ نفسها في فخّ الشيطان.. هُما شَيخان مُصَدَّقان من الكُلّ، ولا يمكن أن تُفلِتْ من أيديهما.. أطبَقَتْ الظُّلمة حولها بلا مُقدِّمات. ولكنّها لا تملِك شيئًا.. بل هي تملِك كلّ شيء «رفعَتْ عينَيها إلى السماء وصرخَتْ».. نظرَتْ نحو السماء، وهو ناظر إلى كلّ شيء.. عيناه تخترقان أستار الظلام، هو ينظر شقاء المساكين وتنهُّد البائسين ويقول: «مِنْ أجْل شَقَاءِ المسَاكِين وتَنهُّدِ البَائِسينَ الآنَ أقُومُ، يقُولُ الرَّبُّ، أصْنَعُ الَخَلاصَ عَلانيةً» (مز11).
 + يَتجبَّر سلطان الظلمة، ويُداس الحَقّ.. بل قد يُساق الحقّ إلى الموت ويُحكَم على البريء. قال ربنا يسوع المسيح: «هذِهِ سَاعَتُكُمْ وَسُلْطَانُ الظُّلْمَةِ» (لو22: 53). فإن كان سلطان الظلمة إلى ساعة، فسلطان النور والحقّ إلى قيام الساعة.. فالنور يضيء في الظلمة فيبدِّدها. هكذا سِيقَت سوسَنّة إلى الموت ظُلمًا.. وغطّى الحزن جميع مَن حولها.
 + ولكن نَبَّه روحُ الرب شابًّا اسمه دانيال.. هذه هي قيامة بحَدِّ ذاتها.. بينما تَرزَح نفوس الشيوخ تحت الظلام، وقد اظلمَّتْ قلوبهم وعقولهم وأَسلَموا ذواتهم بالكمال لروح الظلمة.. قامَتْ روحُ دانيال مُتَقَوِية بالربّ ومُتشبِّثة ومُنتصِبة للحقّ!! ولكن هل يَقوَى هذا الحَدَث الشابّ على فطاحل الظلمة وشيوخ الظلام؟ هذا ما حدث بالفِعل.. فَضَح كذبهما بالحكمة التي فيه.
 + فرح الجميع بالقيامة، تَبدّل الحزن إلى فرح.. نَجَتْ سوسنّة من الموت. إنّها قيامة حقيقيّة، أخذَتها سوسنة من يد الربّ، عربونًا لحياةٍ لا يعتريها الفساد. لم يكُن في سوسنّة عيب الخطيّة هذه.. فاستحقّت أن تتمتّع بهذه القيامة المُفرِحة مع المسيح القائم من الأموات.

~~~~~~~~~

تسبحة موسى عبد الرب (الهوس الأول)

 هي تسبحة العبور بالدم، تسبحة الخلاص التي سبّحها شعب المَفديِّين بعد عبور البحر الأحمر، وتسبّحها الكنيسة في كلّ أجيالها على الأرض، وهي تسبحة الكنيسة في السماء كما رآها القديس يوحنا في رؤياه.
 في ليلة سبت الفرح حينما نُسَبِّح بهذه التسبحة، يَكشِف الروح النِقاب عن سرّ الخلاص المُصَوَّر في أعجوبة عبور البحر الأحمر، كيف عَبَرَ المسيحُ إلهُ موسى بشعبِهِ وكنيسته في ليلة الفصح، بدمِهِ الذي صار علامةً، لا على كلّ بيت بل على كلّ نفس وقلب، وبعصاه أي بصليبه شَقّ بحرَ الجحيم، وعَبَّر أولادَه إلى أرض الموعِد السماوي، وغرَّق ليس فرعون ومركبات ماديّة وفرسان بل كلّ قُوَى الشيطان وجبروته وكلّ طغيانه، سَحَقَه المسيح بالصليب، سَحَقَ الشيطان، بالموت داس الموت وعَبَر بِنا إلى جِدّة الحياة، وحرّرنا من عبودية إبليس ومحا الصَكّ الذي كان علينا.
انتهَتْ إلى الأبد أيّام السُّخرة، والعمل في طين الجسد واللَّبِن ومَذَلّة العبودّيّة. أنهاه المسيح وحرّرنا بالحَقّ.
لذلك كما أخذَتْ مريم الدفّ بيدها، والنسوة حولها يُغنِّينَ بفرح تلقائي، لمّا أبصروا فرعون يغرق وسلطانه يتبدّد ويزول – حينئذ سبّح موسى وجماعة بني إسرائيل بهذه التَسبِحة قائلين:
تعالوا نُسَبِّح الربّ لأنّه بالمجد تَمَجَّد
يمينُك يارب مُعتَزَّة بالقوّة
يمينك يارب حطّمَتْ العدو
مَن يشبهك في الآلِهة يارب مَن مثلك؟
بذات الكلمات تُسبِّح الكنيسة فاديها الحبيب في مَطلَع تسابيح الخلاص في هذه الليلة. ما أجمل اللحن الذي يقول: بالقطع انقطع ماء البحر، والأعماق السحيقة صارَت مَسلَكًا. فِعلاً تهتَزّ له أوتار الروح بطربٍ ونشوة روحيّة، فيها نصرة إلهيّة بقوّة وسلطان فوق سلطان.
 أذكُرُ أنّنا كُنّا نسبِّح بذات التسبحة، ونحن داخل سِجن المَرج، في شهر كيهك (ديسمبر سنة 1981). وكان بيننا طبيب جاوَزَ الخمسينَ من عمرِهِ، ولم يكن له معرفة كثيرة بطقس الكنيسة وألحانها. فما أن سمع صوتَ التسبيح حتى جذب انتباهَهُ، فاقترب إلينا، وفَجأة وجدناه يربط وسطه ويرقص في وسط العنبر. لقد تجاوزَت روح الرجل -إذ هزّتها أنغام التسبيح– تجاوزَتْ كِبَر السِنّ والمركز، وتجاوز آلام السجن وأتعاب النفس، وسَرَى الفرح فيه حتى رَقَصَ دون أن يدرِي، كما رَقَصَ داود النبي أمام تابوت العهد بكلّ قوّته، وكما أخذَتْ مريم أخت هارون الدفّ بيديها، وصارت تغنِّي مع النسوة بفرح الخلاص وتسبيح الغلبة.
 إنّ الفرح الروحي الحقيقي قوّة تسري في الكيان، فرح لا يُنطَق به. فإن كان بنو إسرائيل قد لمسوه بحسب كيانهم الجسداني وما هو مرئيٌّ وملموس، فطربتْ له أجسادهم وراحوا يرقصون بدفوف وغناء، فكم وكم يكون الفرح الروحاني المنبعِث من الخلاص الحقيقي، الذي صار فينا ولنا بالمسيح يسوع ربنا، يَبعَث فينا سرورًا ونعيمًا وشبعًا واكتفاء ولذّة، لا تُدانيها لذّة جسديّة على الإطلاق.

~~~~~~~~~

التسبحة الثانية لموسى عبد الرب «صلاة النشيد»

 في هذه التسبحة توجَد كلّ مواعيد الله من جهة الخلاص، يَذكُر موسى إحسانات الله التي تُغَطِّي كلّ عصيان الإنسان.. مِن جِهة الإنسان، فهُم جيل معوجّ وملتوي، وشعب جاهل وغير حكيم. جازوه بدل الخير شرًّا، أمّا مِن جهة الله فهو إله أمانة وعدل وحقّ.
 يُعدِّد في هذه التسبحة توالي إحسانات الله التي لا حصرَ لها، في رحلة الخلاص مُدّة الأربعين سنةً. أمّا نهاية هذه التسبحة فهي:
 أجازي بالحكم أعدائي..
 والسبي على رؤوس الأعداء
 افرحي به أيّتها السموات
ولتسجد له جميع ملائكة الله
لأنّه يَنتَقِم لدم بَنيه، ويكافئ بالنقمة الأعداء والمبغِضين
يجازي ويطهِّر الربُّ أرضَ شعبه.
لقد انتقم الربّ لدمِ بنيه، عندما سَفَكَ دمَه الطاهر، وكافأ بالنقمة أعداءه، في يوم النقمة، يوم الصليب، إذ سَحَقَ الشيطان. وفرحتْ السماوات وسجدَتْ له جميع الملائكة، إذ جلَسَ على عرش مُلكِه «مَلَكَ على خشبة» مالِكًا على قلوب الذين قبلوه.

(يُتّبَع)


ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

اكتب تعليقك اذا كان لديك أى تسائل عن الموضوع وسنجيبك فور مشاهده تعليقك

إعلان1
إعلان2
إعلان3